من أجل اللاجئين العراقيين

TT

اصبح هذا الطلب معتادا لدى الأميركيين «اعيدوهم للوطن».

ولكن في العراق، حيث التقيت مع القيادات الاميركية والعراقية، تحمل هذه العبارة معاني مختلفة. فهي لا تشير الى رحيل القوات الاميركية، ولكن الى عودة ملايين من الابرياء العراقيين الذين طردوا من بيوتهم، وفي حالات كثيرة، من بلادهم.

فمنذ زيارتي قبل الاخيرة للعراق قبل 6 اشهر مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، لم تتحسن تلك الازمة الانسانية. الا انه خلال زيارتي الاخيرة في الاسبوع الماضي، بدأت الولايات المتحدة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والحكومة العراقية في العمل معا بطريقة جديدة وهامة.

ولا نعرف بالضبط عدد العراقيين الذين فروا من بلادهم، والى اين ذهبوا، او كيف يعيشون. وفيما يلي ما نفعله الان: نزح اكثر من مليوني عراقي داخل بلادهم ـ بلا مساكن ولا وظائف، وبدرجة فظيعة، بلا طعام او مياه شرب نظيفة. وقد دفعهم التطهير العرقي وأعمال العنف الى مناطق نائية خطيرة. والعديد من الناجين يتجمعون في المساجد وفي المباني المهجورة بلا كهرباء، او في خيام او في اكواخ من القش ذات غرفة واحدة. وتبين ان 85 في المائة من المشردين تقل اعمارهم عن 12 سنة. ويوجد 2.5 مليون عراقي اضافي لاجئين خارج العراق، وبصفة رئيسية الى سورية والأردن. ولكن الدول المضيفة، لم تعد تحتمل الامر. فقد اغلقت تلك الدول، التي تعاني من مشكلة اللاجئين الذين يعيشون فيها من قبل وصول العراقيين، حدودها حتى يقدم المجتمع الدولي الدعم المطلوب.

ان العوائل العراقية التي قابلتها في رحلتي الاخيرة للمنطقة فخورة. لا يريدون أي شيء من أي احد اكثر من الفرصة للعودة الى بيوتهم ـ وفي حالة تهدم تلك البيوت في العمليات او اصبحت محتلة من قبل سكان غير قانونيين، بناء مساكن جديدة لهم. الامر الوحيد المؤكد: يحتاج الامر لبعض الوقت قبل ان يصبح العراق مستعدا لاستيعاب اكثر من 4 ملايين لاجئ ونازح. الا ان الوقت ليس مبكرا لبداية العمل من اجل حلول. وفي الاسبوع الماضي، تحقق بعض التقدم.

وفي بغداد، تحدثت مع الجنرال ديفيد بترايوس بخصوص حاجة مفوضية اللاجئين الى معلومات امنية وحماية للعاملين فيها عند عودتهم للعراق مرة اخرى، وقد شعرت بالسعادة بعدما عرض تقديم ذلك الدعم. كما ابلغني الجنرال بيترايوس ايضا انه سيدعم الجهود الجديدة الرامية لمواجهة الازمة الانسانية «الى اقصى حد ممكن»، مما يجعلني آمل في تحقيق مزيد من التقدم.

ومن المؤكد ان المفوضية العليا ملتزمة بذلك. ففي الاسبوع الماضي وخلال وجودي في العراق تعهد المفوض السامي انتونيو غوتيريز بزيادة وجود المفوضية هناك والعمل عن قرب مع الحكومة العراقية لتقييم الظروف المطلوبة لعودة اللاجئين وتحسين الاغاثة الانسانية.

وخلال رحلتي التقيت ايضا مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي اعلن تشكيل لجنة جديدة لمتابعة قضايا متعلقة بالسكان النازحين داخليا، والتعهد بتخصيص 40 مليون دولار لدعمهم.

واليوم فإن الازمة الانسانية في العراق ـ والعواقب المتوقعة لأمننا الوطني ـ عظيمة. هل يمكن للولايات المتحدة التأكد من ان 4 ملايين نازح وفقير في قلب الشرق الاوسط، لن ينفجرون في عنف يائس، ويحولون المنطقة بأكملها الى المزيد من الفوضى. الامر الذي لا يمكننا تحمله، في رأيي، هو اضاعة التقدم الذي تحقق. في الواقع، يجب علينا زيادة مساعداتنا المادية والمالية. لقد وجهت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين نداء لجمع 261 مليون دولار هذا العام من اجل اللاجئين والنازحين. وهو ليس بالمبلغ القليل ـ ولكنه اقل مما تنفقه الولايات المتحدة يوميا على الحرب في العراق. وأود دعوة المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة وقيادات الكونغرس لإعلان خطة شاملة للاجئين ذات برنامج زمني وميزانية محددة في اطار استراتيجيتهم بخصوص العراق.

وبالنسبة للسؤال المتعلق بما اذا كانت استراتيجية زيادة القوات قد نجحت، لا يمكنني الا ذكر ما شهدته بنفسي: يشعر العاملون في الامم المتحدة وفي المنظمات غير الحكومية بأن لديهم الظروف المناسبة لمحاولة زيادة برامجهم. وعندما سألت افراد القوات اذا ما كانوا يريدون العودة في اقرب وقت ممكن قالوا انهم يفتقدون الوطن ولكنهم يشعرون بأنهم يفيدون العراق. لقد فقدوا العديد من الاصدقاء ويريدون ان يصبحوا جزءا من التقدم الانساني الذي يشعرون بإمكانية تحقيقه. ويبدو لي ان الوقت مناسب لمواجهة الجانب الانساني لهذا الموقف. فبدون الدعم المناسب، يمكن اضاعة الفرصة للقيام بشيء جيد يذكرنا دائما اننا ننوي القيام به.

* ممثلة أميركية وسفيرة النوايا الحسنة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين

خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الاوسط»