رجال ريجيس دوبريه: بين الزبدة والفاكهة

TT

في الوقت الذي بدأت تجربة دوبريه اللاتينية في الزوال تعرف في باريس إلى يساري أنيق، ساحر ومحب للحياة، عام 1973. فرنسوا ميتران. بعكس فيدل كاسترو الذي يرفض الابتسام خوف انهيار المهابة، كان ميتران يحب النساء والطعام ويضحك للنكتة حتى يذرف الدمع. ولكن دوبريه لا يكن الكثير من الإعجاب للرجل الذي سيصبح رئيس فرنسا. فالرئيس الواسع الثقافة جعل من الرئاسة مسألة شخصية، خصوصاً في المرحلة الأخيرة من مرضه، عندما بدا أن كل شيء في فرنسا يتوقف على حاله الصحية. وبدل الانصراف إلى أعماقه كمثقف «أصبح رجل صورة» يهوى الظهور ويطرح «الأنا» أولا، في جميع الأحاديث والمقابلات. وإلى جانب ذلك «كانت يقظته قصيرة المدى».

لكنه لا ينكر فضل الرئيس على الثائر العائد على عربة الخيبة من أميركا اللاتينية «ميتران وحده استقبلني دون أسئلة تطرح، من دون أن يهتم بما سيقوله الناس. ذلك المعتدل الرائع القليل الحذر كان يرحب دائماً بأيتام القضايا الخاسرة، سواء الذين جاءوا من أقصى اليمين بعد التحرير (الحرب) أو من أقصى اليسار بعد أيار 1968. لقد شعرت بالامتنان لذلك الانطوائي الكهل لكونه فتح أبواب عائلته الصغيرة لرجل شاب. على أن أكثر المحيطين به كانوا من الشبان أيضا. والفارق في السن كان يحمي الرئيس من ذكريات ماضيه. لا ذكريات مريرة (أيام حكومة فيشي) ولا حساسيات يجب أن تدارى ولا منافسات. فالذئاب الصغيرة تستطيع الانتظار».

غير أن ميتران لم يكن انطوائياً فقط بل شديد الذاتية أيضا. وما أن ربح معركة الرئاسة عام 1981 حتى جمع الأنصار الذين عملوا من أجله وقال لهم بكل بساطة: «لست في حاجة إلى فريق، كان ذلك أول دليل على عقوق الرئيس. لقد بعثر الأنصار».

بعد تعيينه مستشاراً للرئيس اكتشف دوبريه أنه لم تعد له مهمة «سوى إضافة الفواصل إلى الخطب». كان يحلم، ربما بأن يكون لميتران ما كان اندريه مالرو لديغول. لكن صاحبه كان سريع التخلي عن الأصدقاء. وعندما راح دوبريه يتأمل الفارق بين صاحبه وبين ديغول الذي قاد الثورة عليه، رأى أن ميتران لا يصغي إلى أحد من الأحياء فيما يصغي ديغول إلى أصوات رجال الماضي في التاريخ. وذهل عندما أعد لقاءات عمل في الاليزيه بين الرئيس وكبار المفكرين والمؤرخين: «لا فائدة. لا يريد الرجل أن يدخل في عمق الأشياء: كان دائماً حذراً يخشى أن يدلفه أحدهم بين الزبدة والفاكهة».