بدع الورد

TT

كل امرأة تقتني على الأقل قارورة عطر في دولاب ملابسها. كانت أمي تقتني قارورة عطر زرقاء اللون ذات سدادة فضية شديدة الأناقة. وفي طفولتي كنت استرق النظر اليها وهي تفتح دولاب ملابسها ثم تثب على أطراف أصابع القدمين لكي تصل الى قارورة العطر في مكمنها في الرف العلوي. تفتحها بحرص وتضع اصبعها الوسطى على فوهة القارورة ثم تقلبها من أعلى الى أسفل والاصبع في مكانها ثم تعيدها الى وضعها الرأسي وتمر بخفة بأصبعها الى منطقة ما خلف الاذن. ثم تعيد السدادة الفضية الى فوهة القارورة والقارورة كلها الى مخبئها الدائم.

المرأة تدخل في حالة تآلف حميم مع عطرها المفضل. ولعل هذا هو ما حمل نجمة هوليوود الراحلة مارلين مونرو ان تصرح حين سئلت عن ملابسها المفضلة ـ ان تصرح بأنها تفضل عطر شانيل رقم خمسة. وكأن العطر هو رداء ترتديه طلبا للدفء او الأناقة.

صناعة العطور في العالم انتشرت وتشعبت بحيث اصبح لها دور بالغ الأهمية في اقتصاد بعض الدول. لم أكن أعرف مثلا ان بلغاريا ولمدة 350 عاما كانت ولا تزال احد اهم الدول المصدرة للورد الذي تستخدم اوراقه في صناعة العطر. وفي بلغاريا واد يسمى وادي الورود يعد محصوله اهم محاصيل تلك الدولة الاوروبية الفقيرة نسبيا.

لقد تطور الزمن منذ كانت مارلين مونرو متمسكة بالوفاء لعطر واحد هو عطر شانيل رقم خمسة. ولا اعلم على وجه التحديد ان كان لوفاء مونرو علاقة بنجاح هذا العطر بالتحديد أم لا. فقد كان ولا يزال عطر شانيل رقم خمسة هو الاوسع انتشارا والأكثر مبيعا في العالم حتى يومنا هذا. ومع ذلك فقد تغيرت عادات اقتناء العطور. لم يعد عطرا واحدا يكفي. فقد قرأت ان سيدة أعمال أمريكية تقتني 30 عطرا مختلفا تبدلها وفقا لاختلاف فصول السنة ووفقا لحالاتها المزاجية ايضا.

ولعل أطرف تطور طرأ على صناعة العطور هو ان صاحبات النفوذ والثروة يفضلن ان يكون العطر خاصا ولا يباع إلا لصاحبته تماما مثل موديلات الموضة الراقية. وفي تلك الحالات يصنع العطر وراء أبواب مغلقة في سرية تامة بعد ان تستوفي البيانات المطلوبة من الزبونة مثل ألوانها المفضلة والأماكن التي تتردد عليها وما يشعرها بالبهجة والسرور. وتتدخل في المسألة شركات تأمين وشركات أمن وما خفي كان أعظم.

ما هي قارورة العطر إذن؟ انها وعد كبير في قارورة صغيرة. ومعنى ذلك أن الصناعة كلها تقوم على الاحلام والوعود والقصص التي ينقلها الينا التاريخ. فها هو وليام شكسبير في مسرحية انطوني وكليوباترة يكتب شعرا يصف فيه ملكة مصر وقد خرجت لاستقبال القائد الروماني في عرض البحر. فيقول الشاعر ان شراع المركب كان مغموسا في العطر حتي ان موجات البحر انتشت بسحر موجات العطر.

قبل شكسبير أخبرنا التاريخ ان الآشوريين كانوا يعطرون لحاهم. وفي أوروبا القرن الثامن عشر راجت صناعة الاثاث من الاخشاب العطرية؟

ومن المعلومات التي ادهشتني عن صناعة العطور ان 400 كيلوجرام من اوراق الورد تنتج نصف كيلو من زيت الورد الذي يصنع منه العطر. واكتشفت ايضا ان الفرنسيين يحددون سعر الكيلو الواحد من زيت الورد بأكثر من 8000 دولار.

وبين البائع والشاري: يفتح الله.