خنق اقتصادنا ليس استراتيجية مناسبة لتحقيق الازدهار

TT

باتت كل المشاكل الاقتصادية في الآونة الأخيرة تنسب الى «اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية (نافتا). بل ان هناك من يؤيد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية تماما، إلا ان هذه ستكون كارثة، ذلك ان الانسحاب من الاتفاقية بعد 14 عاما سيدمر الاقتصاد الاميركي ويلحق الضرر بالعمال والمزارعين الاميركيين.

سيستمر اقتصادنا في ظل (نافتا) موضع حسد من جانب الدول الصناعية. وفي الواقع تمكنت الولايات المتحدة من التفوق على دول مجموعة الدول الصناعية الثماني، طبقا لغالبية المؤشرات ذات الصلة. حقق اقتصادنا منذ عام 1993 نسبة نمو بلغت في مجملها 54 بالمائة، فضلا عن توفير ما يزيد على 25 مليون وظيفة. اما خلال السنوات الـ14 السابقة لنافتا، فقد كانت نسبة البطالة في الولايات المتحدة 7.1 بالمائة. ومن العام 1994 حتى 2007 كان المتوسط 5.1 بالمائة. حقق قطاع الصناعة الاميركي نموا بلغ 4 بالمائة منذ بدء العمل ببنود (نافتا)، وهي ضعف النسبة خلال السنوات الـ14 السابقة خلال تلك الفترة.

الولايات المتحدة الدولة الأولى في العام من ناحية التصدير، إذ وصلت قيمة جملة صادراتها الى 1.6 تريليون دولار في شكل بضائع وخدمات خلال العام الماضي. وكان العام الماضي أيضا هو الرابع على التوالي الذي يشهد نموا في نسبة الصادرات يزيد على رقمين. تلعب التجارة كذلك دورا كبيرا في نمو الولايات المتحدة الاقتصادي، وتساهم بـ26 بالمائة من الزيادة في إجمالي الناتج المحلي العام الماضي. وعن طريق (نافتا) صدّرت الولايات المتحدة حوالي ثلث صادراتها.

هذه التجارة أفادت العمال الاميركيين الذين يصنعون المنتجات التي نصدرها للخارج والمزارعين الاميركيين الذين يزرعون الصادرات الزراعية والأسر الاميركية والمستهلكين الذين يمتعون بالمزيد من الخيارات في متاجرنا.

النمو لم يقتصر على الولايات المتحدة وحدها، بل امتد الى دول الجوار، الأمر الذي جعل أميركا الشمالية اكثر قدرة على المنافسة في مواجهة المناطق الأخرى، بما في ذلك القارة الآسيوية. لم يكن من قبيل المصادفة ان يحدث التقدم الهائل للمكسيك، اقتصاديا واجتماعية وسياسيا، بعد تطبيق اتفاقية (نافتا). النجاح الذي حققته (نافتا) يعتبر نجاحا للحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، إذ يعود الفضل في الدفع باتجاه الاتفاقية وإنفاذها لكل من الرئيس جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن.

خروج الولايات المتحدة من «نافتا» سيترك أثره في كل أنحاء العالم وسيبدأ الضرر على المستوى الداخلي في الولايات المتحدة. اقتصادنا وقطاع المال والأعمال يرتبطان الى حد كبير بجيراننا الى الشمال والجنوب. انسحابنا من الاتفاقية سيدمر اقتصاد مجموعات السكان في المناطق الحدودية للولايات المتحدة وسيضر بالمزارعين الاميركيين وسيدمر حلقات الإمداد بالمنتجات والسلع وسيدمر نظم المعلومات وصغار المصدرين. باختصار الانسحاب من «نافتا» قد يلحق ضررا بالغا بالاقتصاد الاميركي ككل.

ثمة حقب في التاريخ الاميركي سعينا خلالها لحماية البلاد من خلال الانسحاب من العالم. واستجابة للواردات الزراعية المتزايدة رفعت الحكومة الاميركي التعرفات الى مستويات غير مسبوقة. حاولنا حماية الوظائف. ولكن بدلا عن الازدهار الذي توقعه الاميركيون ازدادت نسبة البطالة لدينا الى 25 بالمائة وتراجعت التجارة الخارجية بنسبة 66 بالمائة. سياسة الحماية كانت منهجا خاطئا خلال فترة الركود الاقتصادي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي ولاتزال خاطئة الآن في عام 2008.

بدلا عن الحديث حول كيفية إعلان الأسواق، يجب ان تتحدث الولايات المحتدة حول اتخاذ الخطوات اللازمة لفتح أسواق جديدة. خنق اقتصادنا ليس استراتيجية مناسبة لتحقيق الازدهار، وتظاهرنا بأننا لسنا جزءا من اميركا الشمالية ليس بأية حال وصفة صحيحة لتحقيق النمو.

* وزير التجارة الأميركي

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»