5 سنوات من «العربية»

TT

شهادتي مجروحة بوليد الابراهيم ولا موضوعية فيها ولا محاولة ادعاء. فهو الرجل الذي نقلني من عصر الى عصر فيما كنت أشارف على السن الرسمية للتقاعد. كنت رجلا من ورق وحبر أجرّ خلفي أطنانا من مواعين الورق وخوابي الحبر عندما عرض عليَّ أن أعبر نهر «الروبيكون» الى الصحافة المرئية. وكان ذلك يعني أن أنتقل من العمل منفردا في منزلي الى العمل في صالات وسيعة مليئة بالأضواء والألوان. ومن الشغل في هدأة التأمل الى الدوران في عالم اللحظات السريعة والأحداث العاجلة ودنيا الصور الآنية المحمولة بالأقمار والجوالات، أنا الذي بدأ العمل الصحافي يوم كانت الصور الصحفية تأتي بـ «الراديو»، ذرة ذرة، كما اخترعه عزيزي أديسون، ذلك المذهل الذي صنع أوائل الكهرباء وصحائف «الحاكي» وأوائل السينما وألف ضوء آخر.

تحتفل «العربية» الآن بعامها الخامس، على طريقة دبي في النمو: عندما انتقلت mbc الى ضفاف الخور هنا كان موظفوها نحو 160، الآن هناك حوالي 1560. وكان مبناها واحدا من بضعة في «المدينة الإعلامية» والآن في دبي عشرون مدينة جديدة، وألف برج. وقد تفرعت عن mbc الأم، بعد «العربية»، قنوات كثيرة، ولا أحد يدري ماذا يهيئ وليد الابراهيم الآن. لكننا جميعا نعرف أن الرجل هو أول من أطلق فضائية عربية من لندن، التي انطلقت فيها من قبل الصحافة العربية الدولية قبل ثلاثة عقود.

ما هي عناصر النجاح؟ طبعا الإتقان. وقد تحولت mbc الى دار تلفزيونية كبرى لأنها وضعت المهنية قاعدة لا تتفاوت ولا تتغير. وفي الأشهر الأولى من «العربية» قامت تساؤلات كثيرة حول أهدافها وأغراضها. وكان كل شيء يخضع داخل الإدارة للنقاش، من التعابير والمصطلحات الى أداء المراسلين وشخصياتهم وطبائعهم وميولهم. وفي النهاية تكونت مجموعة قادمة من أقاصي المغرب وأقرب المشرق، لأصحابها ميول وانتماءات وطباع شديدة الاختلاف، لكن الذي يظهر على الشاشة واحد: المهنية. وفي الاجتماعات واللقاءات الأولى وضع وليد الابراهيم أمام العاملين قاعدة واحدة. وقال لهم: لنا منافس واحد هو نحن. من يقرر أن ينافس غيره يتسربل ويضيع. نحن أمامنا خططنا وأهدافنا ورؤيتنا وبالتالي لنا أسلوبنا. وهذه هي المقاييس الوحيدة التي سوف نلتزم بها. وقعت حرب العراق فيما كانت «العربية» في بدايتها. وازداد تفرق العرب مرحلة أخرى. ودخلت المنطقة التهابا آخر وأتوناً آخر. وبقي طابع «العربية» واحدا. ولغتها واحدة. وكانت حصانتها في الداخل وعلى الشاشة، هي المهنية التي هي الشيء الوحيد الذي يتأكد منه وليد الابراهيم كل يوم. وهذا سر استمرارية «العربية» وسر تطورها. وهو أيضا السر وراء ربحها لجميع الحروب المهنية التي شنت عليها. فقد أخذ منها مهنيون كثيرون ولم يستطع أحد أن يأخذ منها مهنيتها.