ثم كيف لا ألعن القلم والورق؟!

TT

قرأت تعليقا لقارئ فاضل على ما كتبته عن أستاذنا العقاد، يقول: إن الذي ذكرته عن العقاد ليس صحيحا!

عيب يا سيدى، فأنت لا تعرف العقاد ولا تعرفني .. ولا تعرف مدى العلاقة وعمق الصلة ومدى الإعجاب، ولا عندك مستند ولا حق أيضاً في أن تقول ما قلت..

وليس من السهل نفسياً أن أتحدث عن فقر العقاد وكبريائه، فأنا أعرف كل ظروفه الشخصية، ولكن أعرف عظمته والإباء والعزة والكرامة.. فيوم زاره إبراهيم باشا عبد الهادي بلدياتي وقريبي وكان العقاد في مرضه الأخير، وضع تحت قدميه إحدى المجلات وفيها بضع مئات من الجنيهات، ولم يرها العقاد، ولكن بعد أن خرج إبراهيم باشا مدد العقاد ساقيه فسقطت المجلة والفلوس ونادى سكرتيره وابن أخيه أن يلحق بالباشا ويرد له فلوسه!

ولما رأيت حال العقاد طلبت من الأستاذين مصطفى أمين وعلي أمين أن يستكتبا العقاد مقالاً أسبوعياً وأن يدفعا له مقدماً فرفض العقاد، وهو أشد الناس حاجة إلى القليل من أي شيء!

ولما أبدى العقاد رغبته في أن يفسر القرآن تفسيراً عصرياً وأن يبدأ بسورة الرحمن، ذهبت مع د.عبد القادر حاتم رئيس الوزراء في ذلك الوقت ليعرض عليه مكافأة مقدماً، فرفض العقاد، وقال ليس قبل أن أسجل الأحاديث!

ولما عرضت عليه مع أحد الناشرين أن يعيد طبع عدد من كتبه رفض أن يتقاضى مليما قبل النشر!

وفجأة صدر كتاب للمحامي لطفي جمعة، وفي الكتاب صورة لخطاب بخط الأستاذ العقاد، الخطاب يذيب الحديد يوجع القلب ويصب كل اللعنات على حرفة القلم، يقول العقاد: لقد طلبت من كل الناس أن يساعدوني، فأداروا وجوههم وأذانهم.. فلا تخيب أملي، فانا لا أجد قوت يومي!

أعوذ بالله العظيم..

وليس أسوأ وأتعس من ذلك إلا ما قاله أبو حيان التوحيدي في نهاية كتابه «الإمتاع والمؤانسة» يقول: إنني فقير فأذلني بعطائك.. أعطني فإنني لا أجد.. أطعمني فقد قتلني الجوع..

فان يكون هذا التعليق الرديء على الذي قلت عن أعز الناس وأحبهم بأنني كذبت أو شنعت على العقاد فكيف لا ألعن الكتابة واليوم الذي أمسكت قلماً وأوجعت العين والرأس!