المتاجرون بفلسطين

TT

سؤال: من الذي يسيطر على غزة، أو كان مسيطراً إلى حين الغارات الإسرائيلية؟ ـ حماس.

سؤال آخر: من هو المسيطر على قرار حماس وتمويلها وعلاقتها الخارجية؟ ـ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي، المقيم في دمشق.

سؤال أخير: من هو الذي يسيطر، أو لنقل، المؤثر الأكبر على مشعل؟

ـ النظام السوري الذي يقيم مشعل في عاصمته دمشق، وإيران التي يتلقى منها الدعم بكل أشكاله.

حماس هي التي تدير قطاع غزة، وهي التي تتصرف بقراره الأمني، وبمصير سكانه، منذ أن استبدت بالقرار والحكم فيه.

هل نقول جديدا إذا ذكرنا أن عدو الشعب الفلسطيني الأول هو إسرائيل؟ هذه بديهية لا تحتاج إلى إعادة وتكرير وضجيج حولها، فهي العدو التاريخي منذ حوالي قرن. وهل نحتاج إلى القول إن إسرائيل تعول على قدرة الردع والتخويف والقمع العسكري؟ هذه يعرفها كل العالم، منذ ما قبل عام 1948 إلى اليوم.

الجديد هو الحزن والأسى الذي يشعر به الإنسان، أي إنسان، ناهيك عن العربي او المسلم، إزاء فجائع النساء والعوائل التي طالتها يد البطش الإسرائيلية في غزة، وهم في أغلبهم أبرياء: أطفال ونساء وشيوخ كبار، يقتلون على الطريق من اجل، ما تقول اسرائيل، إنه ملاحقة ناشط من حماس هنا او هناك... شيء مقرف ومفجع حقاً.

الجديد الآخر، غير التشديد المتلاحق على وحشية إسرائيل، هو السؤال عمن الذي أشعل غزة بهذه الطريقة؟ اسرائيل نعرفها، لكن من الذي استدعى هذا الوحش، في هذا التوقيت وبهذه الطريقة ويواصل الاستدعاء بعناد، وكأنه يتعمد حدوث هذا الخراب والرد من اسرائيل؟ من الذي يواصل إطلاق صواريخ «التنك» على إسرائيل، فترد الأخيرة بأحدث ما أخرجته مصانع السلاح من قذائف وطائرات وصواريخ...

شيء غريب، مع أنه حتى في الإسلام، وحماس حركة إسلامية، هناك تقدير للمصلحة والمفسدة، وهناك أمر قرآني صريح بعدم إلقاء النفس في التهلكة، وأمر قرآني آخر صريح بوجوب «الإعداد» الصحيح للمعركة.

حماس شريك آخر، مع إسرائيل، في هذه المأساة، فهي التي تسيطر على غزة ويسيطر عليها مشعل ويسيطر على مشعل النظام السوري ويشاركه الإيراني؟

لا يجوز الخضوع لهذه اللعبة المخجلة بدماء الناس وباسم القضية الفلسطينية، من أجل تعظيم مكاسب ومواقف طرف سياسي آخر.

الشيء المبكي المضحك، أن حماس تعلن أنها انتصرت في غزة! كيف وأين ومتى وما هي الأرقام!؟ لا جواب، انتصرنا وحسب، وهذا يذكرنا بحكاية النصر الإلهي لحزب الله في لبنان؛ دُمِّرَ الجنوب بالكامل وسويت الضاحية بالأرض وهُجِّرَ عشرات الآلاف من مساكنهم، وهو يقول انه انتصر نصرا إلهيا، لأن قائده الإلهي ما زال حيا، ومقاتلوه لم يفنوا؟ والضحايا!؟ والخراب!؟ والدمار الاقتصادي غير المرئي، مثل تقويض الدخل السياحي وتحويل لبنان إلى بلد منكوب!؟ والانقسام الداخلي الكبير!؟ كل هذه الأمور لا شيء، وتهون من اجل النصر الإلهي.. وأيضا، يقول الإلهيون، لا تنسوا أن فينوغراد أقر لنا بانتصارنا، والحق ما شهدت به الأعداء، متعامين عن أن هذا التقرير، لو كانوا يرون بعيون البشر وليس بعيون الاله، تقرير يبعث على القلق وليس النشوة، لأنه ببساطة يقوم الجولة الأولى من المعركة مع هذا الحزب الذي يردد دوماً انه المخول بإزالة إسرائيل من الوجود، ولم يقدم لنا في المقابل مثل هذا التقرير الذي يقوم الحرب من المنظور الآخر، لم يقدم لنا «فينوغراداً لبنانياً».. ولن يقدم.

حماس نسخة تكاد تتطابق مع نسخة حزب الله، مع بعض الفروق غير المؤثرة في الانتماء الطائفي، لكن الهوى والمزاج السياسي والآيديولوجي هو هو، والقوى التي تدعم هي هي، والوسائل والحيل السياسية لا تختلف كثيراً: اقتطاع أرض خاصة بعيدا عن الدولة أو السلطة الموجودة، وإقامة دويلة أمنية وعسكرية خاصة فيها، في لبنان ضاحية وجنوب وبقاع حزب الله، وفي فلسطين غزة حماس، ومن ثم العمل على حلب المكاسب السياسية من خلال «شرف» المواجهة مع إسرائيل، ولو بصواريخ «التنك»، وتدفيع اهل غزة الثمن، أو بالمقاتلين الإلهيين لحزب الله.

لقد آن أوان المصارحة، إنهم، سوريا وإيران، يأكلون بالقضية الفلسطينية، وببريق التعارك مع إسرائيل، فهم يعرفون مدى كراهية الشارع العربي لإسرائيل المحتلة، فيستثمرون هذا الجانب، ليس من اجل نصرة الشعب الفلسطيني وحسب، بل من اجل تحريك الشارع العربي وإحراج الخصوم العرب أمام شعوبهم.. لعبة تفتقد الأساس الأخلاقي، وتجسد بكل عري المتاجرة بدماء ودموع المساكين والمسكينات في غزة أو في جنوب لبنان.

أهل النظام في سوريا يقولون الآن إذا ما تحدثوا عن أزمة قمة دمشق: غزة أهم من لبنان، فإذا كان العرب الذين يرفضون الحضور للقمة من اجل موقفنا من سوريا، فلماذا لا يحضرون الآن من اجل غزة؟ غزة أهم فهي فلسطين السليبة والقاتل هو إسرائيل الشيطانة... هاه! لماذا لا تحضرون يا عرب؟ مع ابتسامة خفية...

هكذا قال وليد المعلم.. وهكذا قامت حفلة التهييج الإعلامي، فخرجت صحيفة «الأخبار» اللبنانية، التابعة لسوريا وإيران، أمس بالمانشيت الرئيسي: «دماء غزّة في أعناق العرب».. هؤلاء العرب الذين رفض مشعل ومن خلفه دمشق الإصغاء لهم، وسماع نصيحتهم من أجل القضية والشعب الفلسطيني، هؤلاء العرب الذين تراجع مشعل عن تعهداته لهم في مكة والقاهرة من اجل حقن الدم الفلسطيني الداخلي (لا ننسى الدماء المراقة بين فتح وحماس) ورص الصف الفلسطيني معاً... الآن تم تحميلهم المسؤولية عن رد إسرائيل الوحشي على صواريخ حماس

«التنك».

يعني أن حماس ودمشق وطهران ترمي النفايات وعلى بقية العرب أن يقوموا بالكنس. ولا يجوز لهم أن يشكوا أو يناقشوا أو حتى يترددوا، وإلا فهم خونة.. وكله من أجل القضية المقدسة.

أن نحمِّلَ إسرائيلَ الجريمةَ، فهذا كما قلنا تحصيل حاصل، ونحن من عشرات السنين نحملها المسؤولية، وهي مجرمة بحق الشعب الفلسطيني، ولكن ماذا عمن يتاجر بسمعة القضية ووهجها من اجل مكاسب أخرى؟

إذا كانت دمشق إلى هذه الدرجة من التفاعل مع القضية الفلسطينية، والتأييد لحماس وحزب الله الذي برر خطف الجنديين في الصيف الماضي، هذا الخطف الذي كان شرارة حرب تموز، والذي برره بنصرة غزة وحماس، فلماذا لا يقوم الأصل الداعم: سوريا، بالمهمة بدل أن توكل إلى الفروع؟ خصوصا أن أرضاً سورية لا زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي أعني الجولان؟ وبذلك تنال سوريا مباركة الشعب العربي كله، ليس لأنها تدعم حماس وحزب الله، بل لأنها هي بنفسها توجد مقاومة سورية أصيلة في الجولان المحتل؟ وأيضا تحرر أرضها بدل هذا التفاوض «المذل»؟

ربما لا تقوم بهذا لأنها أصلا، إذا صحت الأخبار، تتفاوض من تحت الطاولة مع إسرائيل عبر الوسيط التركي..

فعلا شيء مخجل أن ترتهن حماس إلى حسابات نظام دمشق وطهران الخاصة وتجير القضية إلى بنك الأهداف السياسية المتحولة لهما،

والثمن: دماء وضحايا أبرياء، تسيل دماؤهم من اجل تزييت العجلة السياسية المتخشبة في دمشق وطهران.

فعلا شيء مخجل.. ويا أيتها القضية الفلسطينية كم جريمة ترتكب باسمك.