إنه زمن مضطرب أن يكون المرء فيه صحافيا

TT

إنه زمن مضطرب أن يكون المرء فيه صحفيا. فأنت إما أن تكون على حافة الانقراض أو مسؤولا عن إدارة الكون.

فالصناعة الصحافية محكومة كي تكتب نعيها من دون أن تعرف متى أو كيف ستأتي النهاية. بالمقابل هناك توسع هائل للإعلام الإذاعي يجعل المعنيين به غير مبالين في إنكار هذه الحقيقة. فالتلفزيون اليوم هو لحمة وسداد الأخبار وغالبا ما يكون حضوره أو غيابه هو الخبر بحد ذاته.

كذلك أعطى الوصول إلى الانترنت الأجيال التي تعيش اليوم، الخيار ما بين أن يحصلوا على أفضل المعلومات أو أسوئها في التاريخ، لكننا لن نكون قادرين يوما لكي نزعم أننا أسوأ من أعطى المعلومات. أخبار المشاهير وفضائحهم تتدفق من الأجهزة الالكترونية بشكل سهل جدا.

هذا هو التغيير الذي ظل الكثير منا، نحن العاملين، في مجال الصحافة بانتظاره، لكن هذا التغيير سيبدل بشكل نهائي طبيعة ما نفعله وما ندركه.

فالتلفزيون اليوم هو شريان الحياة للسياسيين، إضافة للمشاهير والمعلنين التجاريين. وأصبح وزن هذا الوسيط بشكل متزايد جاذبا للإعلام المكتوب من أجل الجدة في تقديم أحداث واتجاهات معقدة غالبا ما تكون على حساب الفهم والنزاهة ـ بجعل المخبرين بالقصص والمناخ الشديد التوتر وفيه يكون عملهم جزءا من القصة بشكل لم يسبق له مثيل.

وتؤكد الأيام الأخيرة لمواسم الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين والجمهوريين، الدور الجديد لوسائل الاعلام الذي ما يزال متقلبا. وقد جلبت القضية نفسها الى داخل البلد، في الاطار السلبي، عبر عرض تلفزيوني.

فإحدى المقالات توحد مؤيدي هيلاري كلينتون في هذه الأيام الكئيبة حتى بصورة أكبر مما توحدهم الرعاية الصحية الشاملة. وفكرة ان التغطية الاعلامية لباراك أوباما وإخفاقهم في التدقيق بماضيه سببت هبوطا في حملتها من الحتمية الى اليأس. وهذا اتهام خطير، ولكنه لم يوجه بطريقة خطيرة على نحو مماثل من جانب معسكر كلينتون ممن يبدو انهم يعتقدون بمؤامرة الجناح الاعلامي الهائلة. فهم لم يوقعوا ضررا سياسيا بأوباما ولم يحفزوا على تحقيق جاد من جانب من وجهوا الاتهام للسلوك المعني.

وطرحت كلينتون موضوع الخداع من جانب الاعلام في مناظرة الأسبوع الماضي بطريقة بدت انها تقع في مكان ما بين تكتيكات الحملة والهوس الشخصي.

والنزاع بين صحيفة «نيويورك تايمز» وجون ماكين حول التقرير الذي نشرته الصحيفة حول صلات السناتور مع احدى الناشطات في جماعات الضغط طرح أسئلة مهمة حول امكانية تأثير الاضطراب حول غرفة الأخبار على التغطية بصورة غير مباشرة.

ولا أعتقد أن «نيويورك تايمز» التي تعتبر واحدة من أهم الصحف في العالم، نشرت تقريرها انطلاقا من موقف متحيز أو في سبيل الانتقام. والسؤال الأفضل هو التالي: أي تأثير تمارسه طائفة من الأزمات المعلنة جيدا والمسببة لأضرار معنوية في غرفة الأخبار، فضلا عن سماء الصناعة الاقتصادية الملبدة بالغيوم، على قرار النشر قبل ان تكون القصة جاهزة؟

ان المحررين الجيدين يحمون العاملين معهم، ويعززون روحهم المعنوية. وقد يبدو القرار أقل إلحاحا في غرفة اخبار اقل ثقة واستقرارا.

والتاريخ بالطبع لا يكشف عن بدائله. ولكن كل من كان يشاهد الدراما الموسومة The Wire سيفهم لماذا قد تكون غرف الأخبار بحاجة الى من يعززون المعنويات.

وقد أظهر هذا التحويل الدرامي الرائع للحياة في غيتوهات العنف في بالتيمور اخفاق شرطة المدينة ومدارسها واتحاداتها النقابية وسياسييها في التعامل مع أزمة حضرية حديثة.

ويركز الموسم الأخير على غرفة أخبار في وضع مضطرب وعلى الاخفاق الواسع لوسائل اعلام المدينة في عكس مؤسسات الفساد التي يفترض ان تقوم بتغطيتها. والنتائج الكالحة لذلك الإهمال تظهر كيف أن السلطة غير المستخدمة من جانب الصحافة، يمكن أن تكون مدمرة مثل سوء استخدامها.

* خدمة مجموعة كتاب «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ «الشرق الأوسط»)