ضبط ردود الفعل

TT

سؤال يطرح نفسه في قضية أزمة الرسوم الكارتونية الدنماركية التي أطلت من جديد بعد الأزمة الأولى التي حصدت 50 قتيلا وشهدت أعمال عنف وتخريبا في العديد من الدول الإسلامية التي شهدت في عام 2005 احتجاجات أخذت طابعا عنيفا.

هذه المرة أخذت ردود الفعل في الدول الإسلامية طابعا اكثر هدوءا بعد إعادة نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للنبي محمد من قبل 17 صحيفة في الدنمارك قالت انها تريد اظهار تضامنها مع الرسام الذي كشفت مؤامرة لاغتياله، وترافقت مع دعوات من علماء مسلمين ومنظمات اسلامية لعدم الانجرار الى الاستفزاز او الرد باعمال عنيفة تسيئ للمسلمين انفسهم او تظهرهم بمظهر المتحمسين للعنف.

ومن متابعة ردود الفعل حتى الان يبدو انه تم استيعاب الدرس من تجربة 2005 حينما اخذت ردود الفعل طابعا خرج عن حدود التعبير عن مشاعر الغضب الى العنف والتدمير واشعال الحرائق الى آخر هذه المظاهر ووقع 50 قتيلا وعشرات الجرحى في مصادمات مع السلطات المحلية في بلدان إسلامية في اطار هذه الاحتجاجات. فهذه المرة هناك حرص على عدم الانجرار الى الاستفزاز والتعامل مع الموضوع في اطار حجمه الطبيعي.

ولم تكن نتيجة احداث الازمة الاولى في صالح المسلمين فقد ظهروا بمظهر الغاضب الذي لا يستطيع التحكم في مشاعره تجاه رسومات كرتونية في صحيفة تبعد عنهم الاف الاميال، وكان رد الفعل لا يتناسب مع حجم الفعل، فالاسلام والمسلمون الذين يشكلون اكثر من مليار نسمة من سكان الارض على امتداد قارتها لن يتأثروا برسم ينشر هناك او هناك، وعلى مدار التاريخ الاسلامي كانت هناك اشياء كثيرة اقصى وأشد من ذلك لكن الاسلاف كانوا اكثر حكمة في التعامل معها.

المشكلة الحقيقية في ردود الفعل المبالغ فيها والاحتجاجات العنيفة التي تحدث ضد اشياء خارج العالم الاسلامي هي في استغلال قوى سياسية محلية لهذه الاحداث من اجل تهييج الجمهور الذي لا يعرف الكثير عنها وتعبئته في الشارع لاهداف اخرى سياسية محلية في حقيقية الأمر، وعادة ما تخرج هذه الاحتجاجات عن حدود السيطرة وتأخذ في حالات كثيرة شكلا مدمرا بعيدا عن الاحتجاج بشكل سلمي وتجعل من اصحاب الفعل نجوما او ابطالا في حين انه لو تم تجاهل المسألة كلها او وضعها في اطارها المحدود لما سمع احد بهم. وفي الحالة الدنماركية كان المحرضون على الاحتجاجات والخروج الى الشوارع يعلمون في عام 2005 ان هذه الرسوم ليست سياسة الحكومة هناك او انها تملك فرض اوامرها على الصحف هناك، وفي الواقعة الجديدة فانه ايضا ليس هناك الكثير مما يمكن ان تفعله الحكومة هناك مع الصحف التي تتعلل بحرية التعبير والنشر.

وبالطبع فانه مع احترام حرية التعبير والنشر فان هناك حجة مضادة وجيهة بان الاساءة الى فئة معينة من الناس على اساس طائفتهم او عرقهم او دينهم في وسائل عامة فيه انتهاك لحقوق هؤلاء وتحريض عليهم.

مع ذلك فان الحوار وتغليب العقل هو الاسلوب الامثل في التعامل مع مثل هذه الوقائع، والجمعيات والمنظمات التي تمثل الجاليات الاسلامية هناك هي في موقع افضل من غيرها للتعامل مع الحدث هناك باعتبارها اكثر دراية ومعرفة بالثقافة هناك وآليات المجتمع وقوانينه.

وما ينطبق على قضية الرسوم من ضبط ردود الفعل يسري أيضا على قضية الفيلم الهولندي المزمع اصداره.