تحديات كوكب الأرض في الخمسين سنة القادمة

TT

مستقبل كوكب الأرض والبشرية خلال الخمسين سنة القادمة مهدد بالكثير من التحديات والمفاجآت غير المسبوقة.

هذا ما أعلن عنه تقرير علمي صدر أخيراً خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم، والذي عقد في بوسطن في الفترة من 14 الى 18 الشهر الماضي، وحضره مجموعة من ألمع وأبرز العلماء في العالم، أبرزهم خبير ورائد الذكاء الصناعي والمستقبليات راي كيرزويلRay Kurzwell ، مؤلف كتاب «اقتراب عهد الفرادة: حين يتجاوز البشر البيولوجيا»The Singularity is Near : When Humans Transcend Biology عام 2005 والذي يعد امتداداً لكتابين سابقين له هما:«عصر الآلات الذكية»، و«عصر الآلات العاقلة المفكرة».

يرى العلماء أن التطورات المذهلة والمتسارعة، بصورة تفوق الخيال، في مجالات الذكاء الصناعي والنانوتكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر) والجينات، سوف يكون لها انعكاساتها الهائلة على نمط وأساليب الحياة، فسوف تؤدي لتغييرات مفاجئة وتحولات متلاحقة لا تنتهي، فعالم الغد سيكون مختلفاً تماماً عما عرفته البشرية حتى وقتنا الحالي، ويتساءل العلماء: هل القرن الحالي قرن البيوتكنولوجي أم قرن الذكاء الصناعي والروبوتات أم قرن الجينات؟ وما هي الآثار المتوقعة للتطور التقني على مستقبل البشرية، فإذا قلنا إن القرن الحالي هو قرن الجينات، فهل هناك أسرار جينية جديدة لم تكتشف بعد، وهل من الممكن أن يختار الإنسان موروثاته، وهل هناك أمل في إطالة العمر وتأخير الشيخوخة، وما الذي يمكن أن يحدث اذا كان المجتمع كله من الأقوياء والأصحاء والأذكياء؟ وما هو تأثير التشخيص الجيني في الفرد والمجتمع؟ وما هي آفاق وتحديات المستقبل عندما تجتمع علوم الجينات والنانوتكنولوجي والذكاء الصناعي والروبوتات؟

ومن أبرز التقارير التي قدمت خلال هذا الاجتماع، التقرير الذي قدمه الأعضاء الثمانية عشر البارزون للأكاديمية الأميركية القومية للهندسة US National Academy of Engineering، ومن بينهم رائد وخبير الذكاء الصناعي راي كيرزويل، حيث أوضحوا فيه التحديات التي ستواجهها التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين.

يقول العالم «كيرزويل» ان معدل التقدم في العلم والتكنولوجيا يتزايد بشكل سريع الى الحد الذي سيغير وجه العالم بحلول العام 2050، ويتنبأ أيضاً بحدوث ثورة تكنولوجية كنتيجة حتمية لهذا التطور السريع المذهل، والتي من أبرزها تطوير روبوتات نانوية ذكيةIntelligent nano-robots »، سوف تصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة البشر، توجد في البيئة وفي جسم ومخ الإنسان، تعزز من ذكاءه وتطيل عمره، كما أن هذه الروبوتات النانوية ستمكن الإنسان من العيش في عوالم افتراضية مذهلة، تشبه لحد كبير العوالم الحقيقية، ويستخدم فيها جميع حواسه وخبراته.

ومن بين التحديات التي وردت في التقرير، ايجاد حلول لأزمة الطاقة باستخدام الطاقة الشمسية والانشطار النووي، وإيجاد تقنيات لامتصاص وتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج عن احتراق الوقود الأحفوري، وأيضاً مواجهة أزمة المياه عن طريق إيجاد تقنيات لتحلية وتقطير المياه تستهلك قدرا قليلا من الطاقة، وتأمين الفضاء المعلوماتي Secure Cyberspace لتجنب جرائمه، ومنع الإرهاب النووي، والتوصل الى تقنيات من شأنها الاكتشاف المبكر للعديد من الأمراض وبخاصة المعدية منها، وتطوير المعلومات الصحية للأفرادHealth Informatics ، وتطوير تقنيات من شأنها التعرف على كيفية عمل المخ، مما يفيد في تطوير طب الأعصاب والذكاء الصناعي، وتطوير تقنيات العوالم الافتراضية التي تمكن الإنسان من استخدام أكبر عدد من حواسه، مما يفيد في مجالي التعليم والتدريب، الى غير ذلك من تحديات مهمة وردت في التقرير، كما يؤكد التقرير على أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه المهندسون في تطوير التعليم في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتعزيز فهم العامة لما يحدث في مجال تخصصاتهم المتنوعة.

والسؤال الذي يطرح نفسه ما أهمية ودلالات هذا الاجتماع العلمي والتقارير الصادرة عنه لعالمنا العربي؟ نقول بأن مثل هذه الاجتماعات العلمية والتقارير الصادرة عنه، تمثل دعوة صريحة للاهتمام بهذه التقارير ودراستها دراسة متأنية والاستفادة منها بما يفيد عالمنا العربي، وأيضاُ دعوة للاهتمام بعلوم ودراسات المستقبل والتنبؤ بأحداثه، والتي من بينها الخيال العلمي الذي يشكل مستقبل العالم، مع ضرورة تنمية الوعي العلمي لدى مواطنينا، حتى يصبح العلم والتكنولوجيا مكوناً أساسياً من مكونات ثقافة المواطن العربي في القرن الحالي.

* كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية