فن المونولوج

TT

لست أدري لماذا اختفى المونولوج الناقد الساخر المرح من حياتنا الفنية رغم الحاجة النفسية إليه للتخفيف من أحزاننا العربية، فلذلك اللون الغنائي ذكرياته الجميلة في خبراتنا الماضية، حينما كان له حضوره القوي في مختلف الدول العربية من الخليج إلى المحيط، ففي مصر: إسماعيل ياسين، محمود شكوكو، ثريا حلمي، لبلبة، سيد الملاح، وغيرهم، وفي سوريا دريد لحام، وياسين بقوش، و«أبو صياح»، وفي لبنان عمر الزعني، وفي العراق عزيز علي، وفي اليمن عمر محفوظ غابة، ولكل بلد من البلاد العربية نجومه في هذا الفن.. وقد اتسمت بداية التلفزيون السعودي بكوكبة كبيرة من فناني المونولوج أمثال: عباس أبو شنب، حسن دردير، لطفي زيني، عبد العزيز الهزاع ، سعيد بصيري، عبد الإله نوار، وغيرهم.. وكان هؤلاء هم نجوم التلفزيون الحقيقيين الذين رافقوا بداياته، وأثروا مشاهده، ومنحوا شاشته الكثير من المرح وخفة الظل، وقد أحسن الزميل محمد رجب حينما أفرد لهؤلاء كتابا بعنوان «رواد المونولوج في المملكة العربية السعودية ومصر العربية»، فهذا الفن في حاجة إلى الإحياء، كما هو في حاجة إلى رصد بداياته ونجومه وإسهاماته..

وليس أدل على تقدير فن المونولوج الناقد الساخر من مشاركة كبار الموسيقيين بإمداده بألحانهم، ومنهم الموسيقار محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ومنير مراد، كما شارك في تلحينه في السعودية ملحنون بارزون أمثال طارق عبد الحكيم، وسراج عمر، وطلال باغر، ومحمد المغيص، وغيرهم..

والمونولوج الهادف الناقد يمكن أن يلعب في تقديري دورا إصلاحيا كبيرا في حياتنا المعاصرة لما يتسم به من سهولة الحفظ، وسرعة الانتشار، وقدرة التأثير.. واستنادا إلى ما أورده الزميل محمد رجب في كتابه من نصوص بعض المونولوجات يمكن القول إن المونولوج السعودي قد استهدف في حينه الكثير من القضايا المهمة مثل: التسيب الوظيفي، وسهر الأزواج، والقيادة المتهورة للمركبات، ومظاهر البذخ، والغلاء، وأخطاء التربية، وغلاء المهور، والروتين، والفقر، والمخدرات، وغيرها من القضايا الاجتماعية الملحة.. ولو قدر لهذا الفن الهادف أن يستمر لكان لدينا اليوم نماذج أكثر تطورا وعمقا ورسوخا، ولكن مما يؤسف له أن هذا الفن الجميل ضاع من عالمنا العربي حتى أوشك أن يختفي، حاله حال الكثير من أشيائنا الجميلة التي تساقطت من ركاب الزمن دون أن نتنبه لحجم الخسارة.. فمن يعيد المونولوج إلى حياتنا ليضع إصبعه على جراحنا، فيقول ما لم تقله الكثير من فنوننا الخرساء.

[email protected]