الرحمة يا أيتها الملايين!

TT

يا جمهور كرة القدم أنتم في غاية القسوة. لكم حناجر وليست لكم قلوب! انظر إلى اللاعب إذا أصاب الهدف صرخت الجماهير وأطلقوا عليه ألقاب البطولة والعبقرية: ويا جمالك.. يا حلاوتك.. يا عظمتك.. فإذا أخطأ الهدف مرة بعد مرة هاجت الجماهير، وثارت ولعنت أباه وأمه.. وهو نفس الشخص الذي أجلسوه على العرش وهو الذي مسحوا به الأرض..

فإذا سقط اللاعب مصاباً في ساقه أو بطنه أو دماغه.. طبيعي أن يسقط على الأرض وطبيعي أن يتوقف اللعب دقيقة أو دقيقتين وإذا طال وقوعه حتى جاء الأطباء ولسبب ما قد يطول بقاؤه داخل الملعب، فإن الجماهير تصرخ فقد ضاقت به لأنه عطل اللعب.. أوقف مسمار المتعة. فكأنه لم يعد ذلك البطل ولا ذلك العبقري، وإنما هو الذي أفسد عليهم متعتهم! وقد حدث في إحدى المرات أن كانت هناك مباراة شهيرة في الملاكمة بين محمد علي كلاي وبطل آخر شرس. وجاء الناس من كل مكان قبل المباراة بيوم أو يومين وتحدثوا وتراهنوا.. أي عاشوا المباراة والمنافسة قبل أن يبدأ اللعب.. من جاء بالسيارة ومن جاء بالطيارة.. وبدأت المباراة والناس قد وضعوا قلوبهم في عيونهم وآذانهم. وما هي إلا دقائق حتى انتهت المباراة بالضربة القاضية. وانتهت المباراة وانتصر محمد على كلاي. وثار الناس وسخطوا ولعنوا محمد علي كلاي الذي اختصر سعادتهم.. مع أنهم كانوا يريدونه أن ينتصر.. ولكن بدلا من أن يجيء بالنصر بعد ساعة جاء بعد دقيقة. وكادوا يفتكون ببطل الأبطال.. لا لأنه انتصر، ولكن لأن النصر جاء ساحقاً ماحقاً بعد دقيقة!

وفي مصر انسحب حارس المرمى عصام الحضري، الذي أسعد الجماهير مئات المباريات والذي وصفوه بالسد العالي وأعظم حارس مرمى.. ولعنوه وشتموه مع أنه كان قبلها بيوم بطل الأبطال والذي لولاه ما كسبت مصر كأس الدول الأفريقية وعشرات المباريات للنادي الأهلي.. مع أنه لم يفعل أكثر من أنه استخدم حقه وبكامل حريته في أن يحسن وضعه المالي. لأن الباقي له من الزمن سنة أو سنتان. ومن حقه أن يحترف. ولكن الجماهير رفضت حريته وجردته من حقه في أن يكسب مثل ألوف اللاعبين.. واتهمته الجماهير التي مزقت أيديها وحناجرها هتافاً له بالهروب والخيانة وطالبوا بمحاكمته. لماذا؟

لأنهم يريدون عبداً يرقص ويغني ويصد الأهداف. وبس. أما حقه وحريته فلا حق له عندهم ولا حرية!

منتهى القسوة والاستعباد!

عزيزي الحضري لا تعد فأنت حر!