هل نحن على استعداد لمواجهة حرب شارون؟

TT

اتذكر تماماً كيف استقبل العالم العربي انتخاب آرييل شارون رئيساً للحكومة في اسرائيل. فمنا من غاص في كآبة عميقة وتشاؤم عميق، ومنا من اعتبر ان المسألة لا تقدم ولا تؤخر على اعتبار ان اسرائيل عدو لدود غايته تدمير العرب بصرف النظر عمن يتولى الزمام، ومنا من اطلق صرخة تحدٍ تقارب المكابرة، ومنا من هال اللوم على الأمة العربية «لتخاذلها» في وجه اسرائيل والغرب او على النقيض من ذلك لام القيادات الفلسطينية على «الرفض من اجل الرفض».

تنوّعت ردات الفعل وتعددت.. وها نحن بعد ما يقرب من نصف سنة من عهد «دولة» شارون نهاجم ونناور.. ونفاوض ونستنكر.. ونوسط ونتوسط.. بلا فائدة او بارقة أمل. ما زلنا نأمل بأن يحترق شارون في لهيب وعوده الانتخابية او تتعب اياديه من قتل الابرياء. ما زلنا نعيش على أمل متلاشٍ بيقظة مفاجئة في الضمير العالمي يتذكر معها قادة العالم، من اولئك الذين يفرشون له البساط الاحمر يوماً بعد يوم، ويتسابقون على مصافحة اياديه الملوّثة بالدم كلّما عنّ لهم إطلاق حملة تضليل جديدة.

«جنرال صبرا وشاتيلا »الذي صدحت له موسيقى الشرف في برلين بالأمس استُقبل كرجل دولة معززاً مكرماً بعد ساعات قليلة من اعتماد «حكومته الأمنية المصغرة» قراراً باغتيال اشخاص!! نعم «حكومة» ...تقرر وتعلن، بلا خجل، اعتزامها تصفية اشخاص وضعت اسماءهم على قائمة اغتيالات.. على طريقة المافيا في اميركا العشرينات والثلاثينات!! ثم بينما تعلن موافقتها على خطط «وقف اطلاق» النار، تواصل نسف اسس تلك الخطط بالمضي قدماً ببناء المستعمرات وتوسيعها، متسلحة بحقيقة ان من فوّضها بتقدير الظروف الملائمة لإطلاق النار حليفها الاستراتيجي الاميركي الذي لا يريد ادانتها او إزعاج خاطرها.

إزاء هذا الوضع، ما هو الاسلوب الانسب للتعامل مع شارون وحكومته؟

طبعاً الكرة، اولاً، في الملعب الفلسطيني. وينبغي الاعتراف انه بات من الظلم التشدد في انتقاد الموقف الرسمي الفلسطيني، رغم اخطائه التكتيكية العديدة، لأن الوضعين العربي والدولي من حوله في اسوأ حال. وقد يكون الطرف الفلسطيني ـ او بعض قياداته ـ قد اخطأ الحساب في عدد من المفاصل. وربما حان الوقت للابتعاد عن العاطفة والمباشرة بالتفكير واقعياً... الى حد القول ان «صلاحية» القيادة الحالية قد نفدت. وبالتالي اضحت عاجزة الآن وستكون اعجز مستقبلاً عن تسيير امور النضال الفلسطيني وتحصينه وضمان استمراريته.

ولكن التركيز على هذه النقطة وحدها بمعزل عن الواقع المزري للعمق العربي ينطوي على ظلامة كبيرة للانسان الفلسطيني ونضاله. وسيكون من قبيل المفارقة الا يستيقظ هذا العمق الغاط في سبات اهل الكهف إلا عندما يفجر آرييل شارون الارض من تحت اقدامه ... والخوف كل الخوف ..انه فاعل. شارون يريد الآن تفجير المنطقة.

يريد تجاوز قواعد اللعبة ضمن حدودها الفلسطينية ـ الاسرائيلية، والسعي الى تغيير خريطة المنطقة بحيث يحصل على كل ما يريده اليوم من «أسلاب» ما يأمل في الحصول عليه مستقبلاً. وهو بغية التخدير والتمويه ماضٍ قدماً في نزع فتيل الاعتراض سلفاً من «الاتحاد الاوروبي» علماً بأنه ضامن انعدام اي معارضة جوهرية اميركية. والمؤلم ان خطط شارون، ومن معه في معسكر التطرف الاسرائيلي، لن تجهض إلا إذا جوبه بموقفين عربي ودولي في مستوى تحديه ومؤامرته. على المستوى العربي، رغم النيات الحسنة هنا والكلام المطرب هناك، الحقائق مفزعة واي ارادة في التصدي شبه معدومة. ومن دون الغوص في ما إذا كانت بعض الدول العربية التي ترى نفسها في موقع تأثير او حظوة في واشنطن قادرة حقاً على ممارسة الضغط أم لا، يفترض بذل محاولات اقوى في هذا الاتجاه... تبنى على ضوء نتائجها خلاصات للمستقبل.

فإذا كانت الولايات المتحدة ما زالت مصرّة على اعتبار نفسها طرفاً لا حَكَماً في النزاع العربي الاسرائيلي ـ وهذا ما يُستنتج من خبرة 50 سنة واكثر ـ ...

وإذا كانت على استعداد لاستعداء كل العرب وإلهائهم عن الدفاع عن أنفسهم في وجه عدو يتأهب اليوم لنقل كل تناقضاته الى عقر دارهم، ودفعهم نحو نبش احقاد واصطناع تناقضات اقليمية... فعندها ليتحمل الجميع مسؤولياته. والحقيقة انه إذا قيّض لشارون تنفيذ اهدافه لن تظل دولة عربية واحدة مجاورة لإسرائيل في مأمن على وحدتها واستقرارها. ولا شك في ان الايام القليلة المقبلة غاية في الخطورة وهذا ما يشعر به الساسة الاسرائيليون المعتدلون والسّاعون إلى السلام، امثال يوسي بيلين ويوسي ساريد. ولذا شدوا الرحال قبل يومين للالتقاء بأهل السلطة الفلسطينية بينما كان شارون يبدأ جولته الاوروبية.

في هذه الاثناء ترتبك اوروبا المستأسدة على سلوبودان ميلوشيفيتش امام شارون وتتلعثم. والشيء الثابت ان الحكومات الاوروبية، وعلى رأسها الحكومة البريطانية في غير وارد زجر رئيس الوزراء الاسرائيلي. فرئيس الحكومة البريطاني توني بلير وجد نفسه مدفوعاً لافتعال استقبال «اعتذاري» على عجل لشارون ـ لدى توجه الاخير الى واشنطن ـ، امام خلفية برنامج «بانوراما» التلفزيوني البريطاني الذي فضح دور «الجنرال» واعوانه من الميليشياويين اللبنانيين في مجزرة صبرا وشاتيلا. وذلك بعد ساعات قليلة من الاعلان عن انه لن يحصل لقاء بين بلير وشارون. والحكومة الفرنسية لن تجابه قاعدة النفوذ والاصوات القوية لليهود الفرنسيين في فترة نقمة... وتعاطف مع اسرائيل في وجه «الانتفاضة». والحكومة الالمانية المثقل كاهلها بعقدة الذنب التاريخية قد تحاول اي شيء إلا استفزاز حكام اسرائيل.. مهما بلغ تطرفهم على طريقة «ابعد عن الشر وغنّي له».

طبعاً اي حكومة في اوروبا، صغيرة كانت أم كبيرة، لن تخطو حالياً خطوة واحدة تُشتمّ منها رائحة تحدٍّ لواشنطن في بواكير عهد جورج ووكر بوش. واي حكومة اوروبية، رغم كل التشدّقات الرخيصة والكاذبة عن احترام حقوق الإنسان، لن تحاول إقناع واشنطن بالعودة عن تكليف شارون بدور ضابط ايقاع السلام في الشرق الاوسط. ولعلها ستفضل ان يبادر العرب الى ذلك... وهذا موقف صحيح.

فالمنطقي ان يكون العرب هم اصحاب المصلحة في الدفاع عن انفسهم.