الدخول إلى الجنة من باب جهنم

TT

هذا الأسبوع أطلق بنيامين بن اليعازر وزير الدفاع الاسرائيلي مدافع تهديداته على الفلسطينيين، متوعدا اياهم بأن يريهم نيران «جهنم الحمراء»، اذا لم يستكينوا، ويقبلوا الشروط التي يمليها عليهم رئيسه ذائع الصيت في ميادين الحرب والتدمير. ويدرك بن اليعازر أن الفلسطينيين يعيشون في الجحيم منذ الاحتلال الاسرائيلي لأراضيهم، وفوهات البنادق مسلطة على رؤوسهم، والمدافع الخفيفة والثقيلة مصوبة نحو القرى والأرياف، وفي المخيمات التي تفتقد أبسط مقومات الحياة . ويظن الوزير أن السنوات الأليمة الماضية عودت الشعب هناك على الخوف والذعر بمجرد أن تزمجر الدبابة، أو يدوي في الجو أزيز الطائرات المقاتلة. والواقع أن مثل هذه التهديدات تزيد الفلسطينيين قوة وصلابة، وتشد من عود مقاومتهم، وتزيد عزيمتهم، واصرارهم على التصدي لكل المحاولات الرامية لتدميرهم، وتجريدهم من حقوقهم.

التهديدات الاسرائيلية تعكس القناعة بأن الدخول الى الجنة، وهي بالنسبة لهم العيش في أمن وأمان، يمر عبر بوابة جهنم، وهي هنا قمع الفلسطينيين، وقصفهم ليل نهار، والغاء وجودهم تماما. هذه القناعة دفعت الوزير ذاته ليقول «ان جيراننا يتفقون على عدم الدخول في حرب معنا» وهي عبارة تنطبق الى حد كبير مع فهم الاسرائيليين لمعنى الاتفاقات التي وقعوها مع بعض الدول المجاورة من ناحية، والمصالح الاستراتيجية للدول الغربية التي لن تسمح بوقوع حرب عربية ـ اسرائيلية من ناحية أخرى. لكن الذي غاب عن ذهن الوزير ـ العراقي المولد ـ أن الشأن الفلسطيني سيبقى حاضرا في الذهن العربي، وسيظل مصدر قلق، واضطراب المنطقة، وغياب استقرارها. والمصالح الداخلية للدول التي لا تؤيد الدخول في حرب مع اسرائيل ما تزال دائما تلح عليها في طلب الحل للقضية الفلسطينية، كما أن المصالح الاستراتيجية للدول العظمى باقية هي الأخرى عرضة للاهتزاز والتوتر مع تصاعد أعمال العنف في المنطقة. وما حدث للبارجة الأميركية في ميناء عدن، وهو آخر حوادث الاعتداء القوية على المصالح الغربية في المنطقة العربية لا يغيب عن نظر واضعي استراتيجيات تلك الدول في حركتهم الدؤوبة لتأمين الاستقرار الذي يتيح للصناعة الرأسمالية الكبرى لتنمو وتتجذر في مناطق واعدة بالاستثمارات الناجحة من الناحيتين التجارية، والصناعية، لا سيما أن المنطقة تتحول تدريجيا الى المصدر الرئيسي للطاقة في العالم.

الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لم يكن مبالغا في وصفه لنفسه ردا على ما قاله الرئيس عرفات في مكالمة هاتفية توديعية، اذ ان فشل كلينتون في تحقيق اتفاق يقارن بالانجازات التي حققها هنري كيسنجر في تهيئة المنطقة لمرحلة متقدمة من الاستقرار، خطوة الى الوراء في نظر الادارة الاميركية للمنطقة. ويخطئ من يظن أن المصالح الغربية في المدى الطويل قائمة على استمرار النزاع، وتواصل القلاقل، وبقاء التوتر قائما في المنطقة.

المصالح الغربية تقوم على مبدأ الشراكة المتبادلة، لديهم رأس المال، والتقنية ويريدون مقابلها الاستثمار المشترك للموارد الطبيعية من جانب، والأسواق المفتوحة للمنافسة من جانب آخر. ومثلما تتفق أميركا مع أوروبا على ردع كل من تسول له نفسه تعريض أمن القارة البيضاء للخطر، تدور بينهما معارك ضارية على حصص كل منهما في أسواقهما المشتركة. معارك أسلحتها العملات الصعبة، وليست الشيكل، أو البندقية الاسرائيلية، ولا التهديدات بقمع الفلسطينيين، ورميهم في جهنم الحمراء.