هم نظروا ولكن العقاد رأى!

TT

لو كان أستاذنا عباس العقاد حياً لقال عن جورج بوش ما قاله عن هتلر.

ففي كتابه (هتلر في الميزان)، قال إنني أرى أن هتلر سوف ينهزم. وهزيمته لا محالة..

ولكن لماذا؟

قال العقاد إن الذي ينظر إلى هتلر يغزو كل يوم بلداً يسحقه وينتصر عليه، يتأكد أن النصر في النهاية لهتلر وموسوليني. ولكن هناك فرقا بين أن تنظر الى شيء وأن تراه.

فالذي يقول إن هتلر سوف ينتصر هو الذي ينظر إليه ويراه يتقدم ويقتل ويزحف.. أما الذي يقول إن هتلر سوف ينهزم فهو الذي (يرى). وفرق بين أن (تنظر) وبين أن (ترى)..

والدنيا كلها كانت ترى تقدم هتلر في كل الاتجاهات. ولكن العقاد كان يرى أن الهزيمة هي النهاية. وقال هذه العبارة ثم هرب الى السودان..

وهناك عبارة مشهورة للشاعر الإنجليزي بيرون يقول: إنهم ينظرون إلى ما أنظر ولكنهم لا يرون ما أرى.. وكذلك الأستاذ العقاد..

ولو كان العقاد بيننا لقال عن الرئيس جورج بوش ووضعه في العراق إنه لا بد أن ينهزم. وهو لم ينتصر. وإنما جعل طريقه إلى العراق مفروشاً بجثث الأبرياء مدعياً أنه يدافع عن الديموقراطية وحرية الشعوب بقتل الشعوب وذبح الحرية ودفن الديموقراطية.

والفيلسوف الوجودي سارتر كان في حركة المقاومة ضد النازية. وكان يرى أن هتلر سوف ينهزم حتماً. لماذا؟ لأن هتلر قد صنع لنفسه صورة.. وأما الخوف منه فقد أضاف ألواناً وتفاصيل لهذه الصورة. وأعجبته الصورة. وحاول هتلر دائماً أن يقلد الصورة التي رسمتها له الشعوب المقهورة. ولم يعد هتلر يرى إلا نفسه.. إلا صورته.. انها حكاية الفتى نرجس.. حكاية النرجسية.. فقد رأى الفتى نرجس صورته على صفحة الماء. فصار مسحوراً بها. وراح ينظر إلى الماء.. إلى صورته حتى جن بها ومات!

وهو لم يمت وإنما انتحر.. وهتلر هو أعلى درجات النرجسية في العصر الحديث.. وإذا كان هتلر قد انتحر أيام حصار برلين، فهو في الحقيقة قد انتحر من البداية. ولكن نفذ القرار أخيراً..

وسارتر هو الآخر نظر إلى ما ينظر إليه الناس ولكنه رأى ما لم يره أحد – وكان أستاذنا العقاد أسبق منه!