هل أنت مع المقاومة؟

TT

هذا هو السؤال الذي تستخدمه جماعة حماس كأداة حاسمة وسلاح في كسب الشرعية لكل ما تقترفه من أعمال يترتب عليها بالحتم المزيد من الخراب للشعب الفلسطيني. ولتعزيز هذا السلاح لا بد من أسلحة أخرى مساعدة تستخرجها من ترسانة الحق الذي يراد به الباطل، ومنها.. أليست المقاومة الشرعية حقا من حقوق الشعوب المحتلة؟ هذا هو ما تؤكده اتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة، وما يؤمن به كل إنسان حر، وما يشهد به التاريخ البعيد والقريب والمعاصر، ألم تكن المقاومة ضد الأمريكيين في فيتنام شرعية؟ ألم تكن المقاومة في الجزائر ضد الفرنسيين شرعية؟ ألم تكن المقاومة ضد الانجليز في مصر شرعية؟ لماذا تطلبون منا، نحن الفلسطينيين، أن نكف عن المقاومة؟

كما ترى، هي جميعا أسئلة تتضمن الإجابة الإجبارية الوحيدة عنها، وهي أن المقاومة مشروعة، وأن من حقهم المقاومة. غير أنك في اللحظة التى توافق فيها على هذه الإجابة، تكون قد وافقت ضمنا على أن المقاومة ستواجه حتما بمقاومة مضادة، وأن المقاومة الأولى التي ستسدعي الثانية ستكون متفقة مع إمكانيات حماس التدميرية، وهي الصوارخ البدائية المصنعة محليا في ورش الحدادة، أما المقاومة الثانية التي ستأتي ردا عليها فستكون متسقة مع إمكانيات إسرائيل العسكرية، هكذا تكون محصلة المقاومتين هو ذلك الواقع الكئيب الذي نراه على الأرض، من قتل ثلاثة أو أربعة أشخاص من إسرائيل في مقابل قتل أكثر من مائة من الأطفال والنساء والرجال في فلسطين من بينهم أسر بكل أفرادها، بالإضافة لتدمير بيوتهم ومرافقهم وتخريب معيشتهم وإبعادهم إلى الوراء مسافات شاسعة عن أفق أي حل سياسي لمشكلة الاحتلال. غير أن ترسانة الكلمات لا تنضب، وصاحب الفكر الثوري سيكون قادرا طول الوقت على استخراج أسئلة هو أول من يعلم استحالة الإجابة عنها، مثل.. وأين الأمة العربية؟ أين الحكام العرب؟ أين الأمم المتحدة؟ أين الاتحاد الأوروبي؟ لماذا هذا الصمت من العالم؟ هكذا يستطيع الاستمرار إلى الأبد في تحويل واقع مؤلم إلى (مكلمة) لا نهاية لها.

الواقع أن الخطأ ناتج من عزل كلمة (مقاومة) من زمنها الذي نشأت فيه وطبيعتها التي اكسبتها قدرتها على التأثير، لا يوجد أمريكيون يعودون إلى أمريكا، ولا يوجد فرنسيون يعودون إلى فرنسا، كما لا يوجد انجليز يعودون إلى بريطانيا، يوجد فقط اسرائيليون يحتلون أرضك، ويعيشون في دولة ملاصقة لك، وهم يمثلون استعمارا ليس له بلد يعود إليه، بل يشكلون استعمارا استيطانيا استطاعوا إقناع العالم كله بشرعيته، هم لن يغادروا المكان، وبذلك تكون المقاومة الشرعية الوحيدة بالنسبة لك، هي الحرص بكل الوسائل على الوجود في المكان نفسه بغير عنف، وذلك لأسباب منطقية وواقعية وحياتية ووجودية، وهي أن عدوك قادر على تحويل شعبك إلى قتلى وجرحى، ومبانيك وعمرانك إلى أنقاض، وحاضرك ومستقبلك إلى فعل ماض.

إن الشرعية تكتسب شرعيتها من موافقة الناس عليها وتحمسهم لها، وبذلك تكون المقاومة الوحيدة التي أبداها الشعب الفلسطيني بعد البندقية، هي انتفاضة أطفال الحجارة الأولى، كانت مقاومة عفوية لأطفال أبرياء لم تلوثهم حسابات السياسة، ما أرغم إسرائيل على ما كان مستحيلا حدوثه من قبل، وهو الوصول إلى اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي يعترف فيها الشعبان بالوجود المشترك، من المستحيل أن يوافق العالم الآن على أي عنف تبديه جماعة فلسطينية تحت شعار المقاومة حتى لو اقتصر الأمر على صواريخ لا تمثل خطرا حقيقيا على الوجود الإسرائيلي.

هذه مقاومة ـ بأخف الكلمات ـ عجزت عن اكتساب الشرعية، وبات واضحا للجميع أنها عمليات لا شأن لها بتحرير الفلسطينيين وإن استخدمت فلسطين ساحة لها والفلسطينيين وقودا، وذلك طبقا لحسابات محور طهران ـ دمشق السياسية، وهو محور أصحابه عاجزون عن كسب بوصة واحدة في أفئدة شعوبهم. ما زلت أذكر ملصقات الحرب العالمية الثانية في شوارع بلدتي، التي ساعدتني على تعلم القراءة، أذكر واحدا منها يقول.. هزيمة المحور محققة، ويبدو أنها مقولة صالحة لكل العصور.