نتائج زيارة باول أظهر فشله في استيعاب قضايا المنطقة

TT

هل يصلح باول ما أفسده شارون على امتداد الأشهر الماضية؟

هذا السؤال البريء في ظاهره، طرح بقوة قبل زيارة العمل الأخيرة التي قام بها رئيس الديبلوماسية الأمريكية كولن باول إلى الشرق الأوسط، ومكوثه فترة ليست بالقصيرة متنقلاً بين غزة وتل أبيب.

فماذا كانت المحصلة؟ وما هي النتائج التي أفضت إليها زيارة باول؟

النتائج كانت صفرية على مجرى ومسار عملية التسوية، ونكوص إلى الوراء على المدى الأبعد من المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وما يجري داخل فلسطين، فالمحصلة كانت:

أولا: عودة إسرائيلية جديدة للعب بنيران الحرب، ونشر الحريق الإقليمي في الشرق الأوسط، من فلسطين إلى عمق الأراضي اللبنانية، من خلال العدوان الجديد على القوات العربية السورية العاملة فوق الأراضي اللبنانية، وقصف موقعين للرادار الأرضي قرب مدينة بعلبك.

ثانيا: أظهرت الزيارة فشل باول في فهم واستيعاب قضايا الشرق الأوسط، وجهله بكل التطورات التي مست القضية الفلسطينية والقضايا العربية والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة خلال العقد الأخير.

ثالثا: تصريحات باول التي ألقيت في نهاية رحلته الشرق أوسطية أشرت على دلالات خطيرة، فباول أعلن بأن: «شارون يقرر إذا توقف العنف أم لا قبل الانتقال إلى بدء العد العكسي لفترة الهدوء لعدة أسابيع، وبعدها يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية من تقرير ميتشل».

وبهذا فإن باول يترك أمر تقدير الموقف على الأرض، وحساب نتائج العنف وآثاره بيد شارون، على النقيض من تقرير ميتشل الذي أشار في جوانب منه إلى مسؤولية إسرائيل عن اندلاع أعمال العنف، وتحديدا مع استمرار عمليات مصادرة وتهويد الأرض.

وبذات الوقت اهتز موقف باول متنقلا كحركة البندول من موقف القبول والدعوة لمراقبين دوليين، إلى النقيض من ذلك وإحالة الموضوع إلى شارون وتنصيبه «رقيبا وحسيبا» على وقف العنف.

ويمكن العودة إلى اللغة الكلامية الواضحة التي أفصح عنها باول اثر اجتماعاته التي عقدها مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ودعوته لتنفيذ بنود تقرير ميتشل على التوالي، بدلا من الترابط والتوازي بين عناصره الأربعة.

فشارون يريد تجزئة وتفكيك عناصر تقرير ميتشل، واتخاذ الانتقالية طريقا لتطبيقه، الأمر الذي يعبر عن استجابة أمريكية سريعة للأولويات الإسرائيلية، وتجاهل وضع جدول زمني لتطبيق التقرير إياه، وبالتالي تطويع التقرير بالكامل لصالح موقف شارون، بدلا من النظر إليه باعتباره «رزمة واحدة».

وواضح بأن عملية تفكيك عناصر لجنة التحقيق الدولية تفتح النوافذ على مصراعيها أمام الحكومة الإسرائيلية لتحقيق غرضين في آن واحد:

* الأخذ بما تراه مناسبا وتجاوز ما تراه غير مناسب لها، والقفز عن الفقرة المتعلقة بضرورة وقف تهويد ومصادرة الأرض.

* النسف العملي للتقرير، وتحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية، وبالتالي فإن حكومة شارون تهيئ نفسها لتظهر على هيئة المدافع عن التقرير والداعي لتطبيق بنوده، بندا وراء بند.

أكثر من ذلك فإن ما رشح من معلومات تم نشر بعض منها على صفحات الصحف الإسرائيلية، يؤكد بما لا يدعو للشك أن شارون يستعد لكل الخيارات، بما في ذلك الخيارات الأسوأ، فاتحا الباب على إمكانية تطوير وسائل الضغط على الطرف الفلسطيني، وعلى حد تعبير «يديعوت احرونوت» (3/7/2001) يبحث بإمكانية استخدام أسلوب حرب العصابات ضد الفلسطينيين، حيث لا تبرز الحاجة لاستخدام الدبابات والطائرات وأعداد كبيرة من الجنود، الأمر الذي يقلل من رد الفعل الدولي على أي عمل عسكري إسرائيلي قوامه الاستخدام الواسع للجيش.

وعلى ما يبدو، فإن الخطورة المتوقعة في حالة لجوء شارون لتنفيذ ما أشير إليه أعلاه، سوف تتضاعف وقد تدفع بالوضع نحو كارثة جديدة، الأمر الذي دفع شمعون بيريس الشريك الرئيس لشارون في ائتلافه، الى التهديد بالاستقالة في أول مؤشر معلن عن تناقضه مع سياسة شارون. بينما اعتبر النائب المعارض من حزب العمل يوسي ساريد («يديعوت احرونوت» 3/7/2001)، بأن الوضع في الشرق الأوسط على وشك «الانفجار التام»، داعيا الأطراف الدولية إلى إرسال قوة مشتركة للإشراف على وقف ما أسماه «دوامة العنف».

على كل حال، إن اتساع نطاق العنف، وهشاشة هدنة تينيت، يدللان على فشل الإدارة الأمريكية في احتواء الوضع، وفي الضغط على شارون، خاصة في ظل استمرار قوات الاحتلال بملاحقة واغتيال كوادر الانتفاضة باستخدام المروحيات والمتفجرات الموجهة لاسلكياً، وإطلاق العنان لخطاب الوعيد من قبل زعماء كتل المستعمرات في منطقة الخليل وباقي أراضي الضفة الفلسطينية.

* كاتب فلسطيني ـ دمشق