أحمد الربعي.. رحيل مقاتل شرس

TT

الموت حق، لكن ما أسوأ الرثاء، وما أسوأ أن ترثي إنسانا عرفته في محطات مختلفة من هذه الحياة.. مراحل انطوت على كثير من القصص والمواقف، أسوأها على النفس، من دون شك، لحظات مرض الدكتور أحمد الربعي، رحمه الله وغفر له، في السنة الأخيرة.

عرفت أبا قتيبة، على المستوى الشخصي، حين كنت طالبا في الولايات المتحدة الأميركية، عن طريق الصديق الوفي، وزميل الدراسة، ابن شقيقته محمد النغيمش. حينها شرفني الدكتور في منزلي، وتطورت العلاقة حتى وصلت للصعيد العائلي.

بعد ذلك دارت الأيام لأصبح رئيس تحرير هذه الصحيفة التي أحد أبرز نجومها من الكتاب أحمد الربعي، بمقاله الذي لا يزيد في عدد كلماته عن الثلاثمائة، لكنها كالرصاص.

كان احمد الربعي دائم القلق، لا يطيل الجلوس في مكان، لكنه هادئ الطبع، حاد الذكاء، مقاتل عن فكرته. ثاقب الرؤية في المراحل الضبابية، وحين تتأجج العواطف يذهلك بعقلانيته. كلمته الدائمة «لا يهمونك».

كان رجلا ترى فيه تأثير التاريخ، فكرا، ومراحل. كان العمل البرلماني يجري في دمه، وجزءا من شخصيته، متنقلا بين المدن، والمجالس، والأشخاص، يهاتف هذا، ويجالس ذاك، وتكاد لا تمر على مجلس إلا ويقال لك: «الدكتور كان هنا».

كتب في الصحافة، وعرفها.. تصالحنا في بلاطها، واختلفنا. لكن عندما دعيته ليكتب موضوعا في ملحق «حصاد الأسبوع» قال «كم كلمة ؟».. ثم هاتفني بعدها ليقول «طالع بريدك»! وكان أيضا من ضمن من كتبوا معنا في زاوية المراقب الصحافي.

كان يقاتل الأفكار بالأفكار، ويرد على العنف بالكلمة. في عموده الشهير في صحيفتنا كسب أصدقاء أحبوه بلا حدود، وكسب أعداء أوجعهم بقلم شرس، وكم من قليل أوجع. كان، رحمه الله، يؤمن بأن ما يكتب يصل للناس ويؤثر.

أثناء علاجه في أميركا عام 2006 كنت أهاتفه تقريبا كل يوم جمعة، عن طريق نجله طارق، ومع اندلاع حرب الصيف التي دارت في لبنان، انشغلت عنه فترة، واذا بنجله طارق على الهاتف يقول: «الوالد يريد أن يكلمك».. جاءني صوته وعبارته التي دائما ما يناديني بها منذ عرفته، وأيا كانت الظروف، أو الأسباب «أبا الطوارق حييت من رجل».

ضحكت وبادرته «هاه تعود للكتابة.. المرحلة تحتاج أحمد الربعي؟». قال «أنا متصل أسألك ليه ما كتبت من يومين؟ أكتب، ترى الكلام يصل ويؤثر.. لا تقف». وودعني.

الربعي الصحافي، والبرلماني، والوزير، كان شاعرا، وعاشقا للأدب بكل فنونه. لا أنسى قبل قرابة خمسة أعوام عندما جمعنا مساء على ضفاف الخليج العربي، وأبو قتيبة يترنم على سامرية للشاعر الكبير محسن الهزاني: «برق تلالا قلت عز الجلالا». ضحكت يومها وقلت له: أبا قتيبة تعشق السامريات؟ فقال: «أعشق كل ما يبعث على الحياة والسعادة والتفاؤل».

قبل وفاته بفترة هاتفته أطمئن على صحته، وكان صوته ينبئ بأنه غير ذاك الرجل الذي عرفته، قال: «يبدو خلاص.. هذا قدري من الحياة، وربك إن شاء الله غفور رحيم».

قصص ومواقف مرت لي مع أحمد الربعي، فيها ما يستحق أن يروى ذات يوم، وفيها ما ذهب وانطوى.. مع الأيام.

أسأل الله العلي العظيم له المغفرة والرحمة.

[email protected]