لماذا يقوّض البرنامج النووي استقلال إيران

TT

«مهما حدث، ابتسم وأعلن الانتصار»

كانت هذه نصيحة «يالانتشي بهلوان»، وهو شخصية من التراث الشعبي الإيراني، لكل شخص لديه طموحات بطولية ولكنه يفتقر الى الوسائل لتحقيق ذلك. ويقلد يالانشي بهلوان الأشخاص المفتولي العضلات في تحديه لأشخاص اكبر وأقوى منه بكثير، وعندما يلقون به خارج حلبة المصارعة يدق على صدره ويعلن انتصاره.

وسيخطئ رئيس الجمهورية الاسلامية محمود احمد نجاد بوصفه قرارات الأمم المتحدة الأخيرة بأنها «انتصار عظيم» لحكومته.

وقد حاول احمدي نجاد تبرير اسلوبه الذي يتسم بالتحدي والمواجهة باسم «الاستقلال». وهو يقول للإيرانيين انه يجب عليهم المعاناة ليتمكنوا من تحقيق «الاستقلال في مجال الطاقة»، بتطوير دورة نووية كاملة.

إلا أن الحقيقة هي ان البرنامج النووي المثير للجدل الذي تعتقد الأمم المتحدة انه يهدف الى صناعة اسلحة نووية وليس فقط انتاج الطاقة الكهربائية، كان له تأثيرات مختلفة حتى الآن.

فقد فرض قرار مجلس الأمن الأخير قيدين على الأقل على استقلال ايران.

أولا، يجعل من الضروري على أعضاء الأمم المتحدة ايقاف وتفتيش كل السفن والطائرات التي تحمل بضائع لإيران بحجة احتمال ان تكون ذات استخدام مزدوج.

ان مشهد وقف الأساطيل الأميركية أو الحليفة أو تفتيش السفن المارة عبر خليج عمان، يعتبر قيدا على استقلال ايران. ويطبق نفس الشيء على الطائرات المتجهة الى او المملوكة لإيران في أي مكان في العالم. ثانيا يمكن وضع كل التجارة الدولية تحت السيطرة الدولية مثلما حدث في العراق في عهد صدام حسين.

ويتطلب القرار الجديد ان يتم التدقيق في التجارة مع إيران بغرض منعها من الحصول على بضائع وخدمات ذات استخدام مزدوج. وبمجرد ان تكون هناك آلية مراقبة فسيصبح بالإمكان إبطاء الإجراءات، إن لم يكن خفض التجارة مع إيران، إذ لا بد من التدقيق في كل تعامل تجاري من قبل وزارتي الدفاع والخارجية في البلدان المعنية. حتى إذا قررت دول ان تتحايل على القرارات فلا بد لها من إتباع إجراءات محددة، وهذا سيكون بمثابة كابوس بيروقراطي هائل.

الواضح ان الجمهورية الإسلامية أعدت نفسها لمثل هذه التطورات من خلال تخزين بضائع لفترة السنوات الثلاث المقبلة، وفي نهايتها ربما تتمكن من الحصول على الإمكانيات التي تسمح لها بإنتاج قنبلة.

نعود الآن إلى حجة احمدي نجاد الرئيسية التي يزعم من خلالها ان تخصيب اليورانيوم الذي تحاول الأمم المتحدة حظره يضمن استقلال إيران في مجال الطاقة.

في واقع الأمر، العكس هو الصحيح هنا.

البرنامج النووي سيجعل إيران معتمدة على العالم الخارجي في مجال الطاقة على نحو غير مسبوق.

النوع الأول من الاستقلال يتعلق ببناء محطات الطاقة. ظلت إيران منذ سبعينات القرن الماضي تملك التكنولوجيا والعمالة الماهرة اللازمة لبناء محطات توليد الطاقة الكهرومائية والطاقة المستخرجة من النفط والغاز. لكنها لا تملك إمكانية البناء، دعك عن تصميم محطات طاقة نووية.

الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها لإيران الحصول على هذه الإمكانيات هي التعاون على مدى سنوات مع واحدة أو أكثر من الدول الأخرى الصناعية.

هذا ما ظلت تعرضه على طهران منذ عام 2006 الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، لكنها قوبلت برفض كامل من جانب أحمدي نجاد.

وفي غضون ذلك تحاول روسيا أن تكمل محطة الطاقة النووية الإيرانية الوحيدة التي صممها الألمان وأنجزوا نصفها. غير انه ليست هناك ضمانات بأن روسيا، أو أية دولة أخرى، ستكون مستعدة لإقامة أي مشاريع نووية أخرى في ايران قبل ان تسوي نزاعها مع الأمم المتحدة.

وينجم الشكل الثاني من الاعتماد عن حقيقة ان اليورانيوم المخصب الضروري لتشغيل مشروع الطاقة النووية فقط، الواقع في شبه جزيرة بوشهر، يجب ان يخضع لقواعد وضعتها وحددتها روسيا. فاليورانيوم الذي تخصبه ايران لا يمكن استخدامه في بوشهر. وهذا يعني ان روسيا يمكن أن تغلق المشروع الإيراني متى أرادت ذلك.

والشكل الثالث للاعتماد ينجم عن حقيقة أن يورانيوم ايران واحتياطياتها من المعادن، الواقعة بالقرب من صحراء لوت، يمكن أن توفر الوقود لمشروعين أو ثلاثة مشاريع نووية أخرى خلال اقل من عقد من الزمن.

وهذا يعني انه حتى اذا كانت ايران قادرة على تصميم وبناء مشاريعها النووية الخاصة فإنها ستظل معتمدة على صادرات اليورانيوم من أجل ضمان الوقود في فترة ما بعد السنوات العشر (متوسط عمر مشروع الطاقة النووية يبلغ 40 عاما). وبكلمات أخرى فان لدى ايران ما يكفي من المعادن بما يمكنها من صنع 100 قنبلة أو نحو ذلك، ولكن ليس بما يكفي لتوفير وقود لاثنين او ثلاثة من المشاريع النووية ذات الحجم المتوسط. والشكل الرابع لاعتماد ايران يرتبط بعجزها عن معالجة الوقود المستخدم في مشاريع الطاقة النووية. وفي الوقت الحالي هناك ست دول فقط تتمتع بالتكنولوجيا القادرة على اعادة معالجة هذه المواد. وستعتمد ايران على حسن نيتها للتخلص من الوقود المستخدم من مشاريعها النووية. ويعتبر التعامل مع الوقود النووي المستخدم واحدا من أكبر التحديات التي تواجه الدول التي تستخدم هذا الشكل من الطاقة. وعلى الرغم من الكثير من البحث في أفكار مثل اطلاق الوقود المستخدم في الفضاء عبر صواريخ خاصة مصممة لذلك فانه لم يجر التوصل بعد الى حل مقنع.

أخيرا، ستواجه إيران شكلا خامسا من الاعتماد على غيرها.

إذ يجب إعادة صيانة محطات الكهرباء النووية بعد ثلاثة أو أربعة عقود لكنها تبقى خطرة لعدة قرون. ومثلما أوضحت دراسة قامت بها الحكومة البريطانية في السنة الماضية فإن إعادة صيانة أي محطة نووية أكثر كلفة من بناء واحدة جديدة وهي عملية مكلفة حاليا تتقنها ست دول فقط في العالم.

يقود الرئيس أحمدي نجاد إيران إلى مواجهة خطيرة مع الأمم المتحدة حول قضية لها علاقة بالتطرف الضال أكثر منه بالمصلحة الوطنية. فالبرنامج النووي حتى لو كان لأغراض سلمية فإنه سيجعل إيران أكثر اعتمادا على غيرها لا أقل.

فلإيران كمية كافية من النفط والغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها من الطاقة لخمسة قرون أخرى. كذلك لديها القدرة العلمية والتقنية لبناء محطات كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية والمائية والهوائية. وهي لا تحتاج إلى الطاقة النووية التي لا تمتلك إيران المواد الخام لها أو القاعدة العلمية أو المهارات التقنية لتصميمها وتشغيلها من دون دعم العالم الخارجي.

يمكن القول إن المغامرة النووية لقيادة طهران هي تهديد لاستقلال إيران ولأن من الممكن استخدامها كمبرر للحرب فإنها تزعزع أمن الوطن. ورفع قبضة اليد والصراخ بكلمة «النصر» هو مجرد حركة قط تستطيع أن تتحرك إلى نقطة محددة مثلما هو الحال مع تجربة صدام. بل حتى مع يالانتشي بهلوان فإنه كان سيجد من الحكمة للقط أن يرجع قبل أن يجبر بالقوة على القيام بذلك.