من يوحِّد.. لا من يرأس

TT

نحن وأميركا الآن في حالة كبرى من الضياع. أي كل هذا العالم والدولة الكبرى التي تتراجع وتنحسر عن موقعها الأحادي الذي كسبته أيام جورج بوش الأب وراحت تفقده مع جورج بوش الابن. ولذلك فان الانتخابات الرئاسية تعني العالم بقدر ما تعني الاميركيين على نحو شبه متساو هذه المرة. ليست مسألة نائب رئيس مجرب يرث رئيسا شعبيا كما ايام ريغان بل مرشحون أقواهم شاب وجديد وبلا خبرة تقريبا وفوق ذلك من لون آخر. هكذا يبدو السؤال في هذه المرحلة من المعركة، ليس من سيفوز بل من هو القادر على إعادة توحيد بلد منقسم وغارق في الحروب: هل يمكن لرجل اسمر ان يوحد اميركا حقا أم ان يزيد في انقسامها؟ هل تستطيع سيدة ولو اميركية اولى ذات يوم، ان توحد اميركا من حولها؟ هل يستطيع جمهوري محافظ قادم من المناخ الفيتنامي وحقبة الستينات، ان يوحد خلفه اميركا في عام 2009؟

ليست هذه انتخابات رئاسية عادية في اميركا: المناخ الذي أدى الى بروز وتقدم اوباما، ليس عاديا. فقبل اربعة عقود فقط كانت «المؤسسة» الاميركية البيضاء لا تزال تطلق النار على الطلاب السود إذا ارادوا الانتساب الى الجامعات. وكانت لا تزال تغتال رمزا من رموز الحقوق المدنية في حجم مارتن لوثر كينغ. لكن ها هي اميركا الآن يجتاحها إعصار حار يدعى اوباما. والظاهرة في هذا الإعصار ان الاكثرية الساحقة في شعبيته بين البيض لا بين السود. وبين الكهول وليس بين الشبان.

من وقف وراء اوباما حتى الآن؟ من قدم له التبرعات الهائلة؟ ليس فقراء السود بل أغنياء الحزب الديموقراطي. وإذا كان المال هو نصف المعركة الرئاسية فإن هذا النصف قدمه محافظو الحزب وخصوصا بعض اليهود منهم (اورون كرامر، آلان سولومونت، مارك كورنبرغ وآخرون). سوف يترك جورج بوش اميركا وقد انقلبت اجتماعيا وسياسيا عن اليوم الذي قطع فيه تلك الطريق القصيرة بين حاكمية تكساس والبيت الابيض، من دون المرور بأي منصب سياسي او أي تجربة او حتى من دون أي رحلة سياحية الى الخارج. ولا شك ان كل اميركي يفكر اليوم في من سينتخب «بعد» جورج بوش وليس في من سوف يختار للمستقبل: من سوف يُخرج اميركا من العراق ومن سوف يُخرجها من افغانستان ومن سوف يحد من سقوط الدولار امام الاورو الاوروبي. أميركا خائفة وتبحث عن منقذ بين النساء او السود او الخيول البيضاء القديمة.