ولي شرط واحد: ألا تغني!

TT

من خمسين عاما انتشر في الصحف المصرية تعبير: لقاء السحاب، وكان المقصود هو اللقاء بين محمد عبد الوهاب وأم كلثوم. وكان أول لقاء في أغنية (أنت عمري)..

وظهرت في التلفزيون أحكي أن لقاء آخر للسحاب قد سبق لقاء ام كلثوم بعشرين عاماً. وحكيت. فكلمتني ام كلثوم وهي تضحك وتقول: ولماذا لا تطلق عليه اسم (لقاء الصحاب). وإن كنت أفضل أن يكون (لقاء الهباب)..

أما الحكاية فهي ونحن طلبة في الجامعة كنت أمضي وقتاً طويلاً في المكتبة. ولم يكن بالمكتبة بوفيه. فلم نجد ما نحتاجه من شاي أو قهوة أو سندوتشات. وإنما نجد رجلاً سودانياً طيباً اسمه عم عبده في (البدروم) يبيع لنا الشاي والقهوة ونوعاً من الكعك المحشو بالعجوة. وكان الرجل لطيفاً بحالنا. فلم يكن يتعجل أن ندفع يوماً بيوم. ولأن الرجل صديق لنا أو كأنه أب. فكان يدري بحالنا ويسمع منا أخبار الدراسة والأساتذة وأحلامنا وهمومنا أيضاً.

وربما سمعني وأنا أغني في إحدى القاعات. ودعاني إلى فرح ابنته. وذهبت مع صديقي لكي أغني. أما الصديق فقد أصبح بعد ذلك وزيراً للعدل كان يعزف على العود. وأنا أردد أغنيات عبد الوهاب. ووجدنا الفرح فوق السطوح. ولم نجد مقعداً نجلس عليه أو يجلس هو عليه وأغني واقفاً.

وجاء شاب يرتدي جلباباً وجاكتة ومعه عود وسألنا إن كان يستطيع أن يجلس على أحد المقاعد لكي يغني.. وراح يردد أغنيات كارم محمود. ولست على يقين وسط هذه الضوضاء، إن كان أحد قد استمع إلينا.. أو رأى ذلك ضرورياً. وكنا نتمنى ان يظهر عم محمود ولو دقيقة لكي يعطي لحضورنا نوعاً من الشرعية ولكنه أبو العروسة وهو مشغول بأمور أكثر أهمية. والتقينا ـ أنا المطرب والزميل المطرب وعازف العود. سألني: أنت طالب فين؟ قلت: بقسم الفلسفة بكلية الآداب. وسألته: وأنت قال في كلية الطب..

أما هو فصار الكاتب الكبير مصطفى محمود صاحب العبارة الجميلة الرشيقة! وظل الموسيقار محمد عبد الوهاب يلح علينا بعد ذلك أن يسمعنا ونحن نغني.. أما مصطفى محمود فقد غنى له كثيراً وأسمعه براعته في العزف على العود. أما أنا فغنيت له مرة واحدة. ورافقني عبد الوهاب على البيانو. وبعد ذلك كنت كلما أردت أن أزور أم كلثوم كانت تقول: أهلاً وسهلاً بشرط واحد: ألا تغني!