باكستان.. وشد الحبل بين شريف ومشرف

TT

إن النتائج الحقيقية للخلاف القائم بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف وبين الزعيم السياسي المعروف نواز شريف، ستظهر بآثارها الضارة على السطح بصورة أوضح بعد تشكيل الحكومة القادمة بغض النظر عمن سيكون رئيسا للوزراء، والملاحظ أن آصف زرداري رئيس حزب الشعب الباكستاني قد نأى بنفسه جانبا بعض الشيء عن حرب التصريحات، وتفرغ لإجراء الاتصالات الضرورية بالأحزاب الأخرى من أجل تشكيل الحكومة القادمة في المركز وفي الأقاليم الباكستانية الأربعة.

أما نواز شريف فهو يصرح باستمرار بضرورة إقالة الرئيس مشرف من منصبه بعد خسارة الحزب الذي كان يعتمد عليه طوال فترة حكمه، معتبرا ذلك سقوطا له، لأن الشعب لم يعد يريده على رأس البلاد، وهو يستخدم هذه التصريحات كورقة ضغط ويريد لحزب بوتو أن يقوم بمهمة إقالة برويز مشرف، وهو هدف صعب قد يدمر الساعي إليه فيما لا يفتأ مشرف من التصريح يوميا سواء بصورة مباشرة أو عن طريق المتحدث الرسمي باسم قصر الرئاسة راشد قريشي (وهو جنرال سابق أيضا) من ان الشعب لم يختر ممثليه عن طريق الانتخابات للإطاحة برئيس الجمهورية، مؤكدا انه سيظل رئيسا للبلاد لفترة الخمس سنوات المقبلة حسب الدستور، وانه مستعد للتعاون مع أية جهة تستطيع إحراز الأكثرية في البرلمان لتشكيل الحكومة، كما انه يرفض بشكل قاطع إعادة القضاة المفصولين إلى أعمالهم، ولكنه كحل وسط قد يرضى بإحالتهم إلى التقاعد.

هناك مراكز قوى أربعة في البلاد، وهي مهمة جدا يجب على الأقطاب توخي الحذر في التعامل معها وتجنب الاحتكاك بها ولو على حساب المبادئ من اجل الاستمرار في الحكم. وهذه المراكز هي حسب أهميتها قيادة الجيش ورئاسة الدولة ورئيس السلطة القضائية ثم رئيس الوزراء من دون التقليل من أهمية رئيس البرلمان ورئيس مجلس الشيوخ.

وفيما يخص الجيش فهو اللاعب الأقوى على الساحة السياسية الباكستانية. وان سنوات طويلة من عمر باكستان انقضت تحت مظلة الحكم العسكري، وان دور الجنرال في باكستان لا ينتهي بمجرد تقاعده من الخدمة العسكرية بل يُستعان به في مناصب سياسية كبرى منها وزارة الداخلية أو كحاكم لأحد الأقاليم الأربعة أو يعين للترضية سفيرا في إحدى الدول ليقضي حياة مرفهة هانئة بقية عمره.

وأما رئيس الجمهورية فهو يتسلح دائما بالمادة 52 من الدستور الباكستاني والتي وضعها الجنرال ضياء الحق، وهي تعطي الصلاحية للرئيس بعزل رئيس الوزراء وإعلان حالة الطوارئ وتعطيل البرلمان متى ما يراه ضروريا، علما أن رئاسة الجمهورية كانت منصبا شرفيا قبل اعتماد هذه المادة التي تعتبر كالسيف المسلط على رقبة الحكومة، وقد مر عدد من رؤساء الجمهورية قبل اعتماد هذه المادة من دون أن يعرفهم الناس لضآلة دورهم، حيث كان رئيس الوزراء هو الواجهة الحقيقية للبلاد باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية.

ومهما يكن من أمر فان الخلافات تبدو عميقة بين رئيس الجمهورية وبين رئيس الوزراء (القادم). وأهم هذه الخلافات هو التلويح بإلغاء المادة 52 من الدستور وإعادة القضاة الذين سرحهم برويز مشرف إلى الخدمة، لاسيما أن نواز شريف يصر على الأخيرة، وفرضها شرطا على التعاون مع حزب الشعب الباكستاني مقابل دعم مرشح آصف زرداري لكي يكون رئيس الوزراء القادم لباكستان.

وقد صرح شيخ رشيد احمد، وهو وزير فيدرالي سابق، بأن البرلمان القادم لن يستمر طويلا مع بقاء الرئيس مشرف في الحكم.

وعليه فان هذه الخلافات ستجر البلاد لا محالة إلى نفق مظلم وتعطل جميع خطط التنمية. وهي لا تحل إلا عن طريق تقديم تنازلات كبرى من احد الأطراف. ولكن من سيتنازل؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة؟

• أكاديمي عراقي

[email protected]