ابن الذوات منهم ومنا

TT

تعليقا على خطر العمالة الاجنبية على دول الخليج، اشتكى وزير العمل البحريني د. مجيد العلوي من كسل المواطن العربي. قال: «اللورد في بريطانيا يملك المليارات ويغسل سيارته يوم الأحد بنفسه بينما الشعب الخليجي يبحث عمن يمده بكأس ماء وهو لا يبعد عنه امتار». تذكرني كلمته هذه بكاريكاتيرات «مقهى النشاط» التي كانت تنشرها الصحافة المصرية. صور احدها احد الزبائن وقد استلقى على إحدى الكنبات واضعا رجله اليمنى على اليسرى. ما فتىء حتى نادى على النادل: «يا واد تعال هنا وحياتك وغير لي رجلي!».

الكسل مصيبتنا الكبرى وقد استغلها الغربيون في تبرير استعمارهم لنا. قالوا نحن بحاجة اليهم ليعلمونا على العمل ويقوموا لنا بأعمالنا. بالطبع لكسلنا اسبابه المناخية والصحية. فأمراضنا الوبائية التاريخية التي تقضي على الطاقة، السل والملاريا والبلهارسيا، تقتل همة النشاط فتعلمنا على الكسل.

يشير الدكتور العلوي الى هذا الفارق الذي طالما لفت نظري بين الارستقراطي الغربي والشرقي. يقضي ابن الذوات عندنا وقته في الكسل والجنس والقمار والسكر. لا يستفيق من نومه حتى الظهيرة. يعيش نظيره الغربي على عكس ذلك تماما. استمعت أخيرا للشاب الارستقراطي الاسكوتنلدي روري آل ستوارت بعد نشر كتابه عما يجري في العراق حاليا. روى سيرة حياته فقال ان والده كان يوقظه صباحا في السادسة صباحا ليأخذ حمام ماء بارد في عز الشتاء القارس. ثم يأخذه الى هايدبارك ليهرول حولها حوالي خمسة اميال. ثم يبدأ بدروس المبارزة بالسيف. يعود للبيت فيجلس مع والده الجنرال ليعلمه على تكتيك القتال والمعارك الحربية. يذهب بعد ذلك للمدرسة الارستقراطية حيث يلعبون لعبة الركبي العنيفة والخطرة. تخرج من ايتن ثم اكسفورد وذهب الى الهند وافغانستان حيث قطع 600 ميل مشيا على الاقدام عبر جبال الهملايا، ينام في العراء واكواخ الرعاة والفلاحين وصولا الى كابل. انضم للجيش البريطاني هناك في محاربة طالبان ثم انتقل للعراق حيث كاد يقتل في إحدى المصادمات. يروي انه خلال محاصرة الميليشيات لكتيبته وتساقط قنابل الهاون عليهم، استطاع ان يرفع معنويات جنوده بعزف الموسيقى لهم.

الارستقراطي الغربي يتميز حتى عن ابناء الطبقة العاملة عندهم في تعلمه على الشدائد والجهد والمخاطرة وروح التضحية وإعطاء القدوة التي يدربونه عليها منذ طفولته. هذا هو ما يعطي اليونكرز الالماني واللورد البريطاني هذه الشخصية القيادية المتميزة. لاحظ روري ان الحرب في افغانستان دمرت الكثير من المباني التاريخية، فعمل على تأسيس معهد لإحياء الحرف التقليدية لإصلاح هذه المباني والحفاظ على الأعمال الفولكلورية من الانقراض. خرج من افغانستان وقد ترك وراءه شيئا سيعتز به الافغان لسنين.

ما الذي يتركه ابناء الذوات عندنا وراءهم، غير القناني الفارغة واوراق القمار المبعثرة ورماد السكائر وربما الاولاد غير الشرعيين ايضا.

العمل ليس مجرد واجب، إنه فضيلة ومتعة وعبادة وسمو متميز. وهو ما سأعمل لاستئنافه في مقالتي القادمة.