ولم نستطع أن ننفذ وصية الأستاذ!

TT

عندما ذهبت إلى بيت الأديب الأمريكي همنجواي في هافانا، حاولت جاهداً أن أقارن بينه وبين أستاذنا عباس العقاد. ومع أنه لا يوجد أي تشابه بين مفكر عظيم فقير وبين أديب مليونير.. العقاد في شقة ضيقة وهمنجواي في قصر له حديقة، وفي الحديقة حيوانات من كل نوع.. وهو الآخر حاول الانتحار ولكنه نجح. أما العقاد فحاول الانتحار ولم يفلح. وعاش حياة كأنها انتحار.

ولكن وجدت أن مكتب همنجواي عبارة عن منضدة كبيرة عالية. فكان همنجواي يكتب واقفاً. فقد أصيب في عموده الفقري.

والعقاد كان يجلس إلى مكتب صغير ـ إلى جواره وليس وراءه.. ونسي العقاد أن يغير المكتب وكان لا يستطيع أن يضغط على بطنه أو على مصرانه الغليظ. ولذلك كان يجلس الى جوار المكتب. أما الأرض فقد تغطت بالأحذية من كل حجم. وكانت كل أحذية العقاد أكبر من قدميه. فهو يضيق بالأحذية والملابس التي تضغط عليه. إنه يكره الضغوط والقيود. ولو كان الأمر بيده لارتدى الجلباب.. او جلس يكتب وقرأ عارياً.. كما كان يفعل الرسام العظيم بيكاسو..

ووجدت تشابهاً آخر وهو أن الكاتب الأمريكي همنجواي أوصى أخاه أن يكتب على قبره هذه العبارة: «حاول أن يفهم وفشل. حاول ان يعيش وفشل حتى الموت حاول معه وفشل.. أهدم هذا القبر لأنه صورة باقية لشخص ما كان ينبغي أن يعيش».

ونظم العقاد أبياتاً للذين يشيعون جثمانه إلى مثواه:

إذا شيعوني يوم تقضى منيتي

وقالوا: أراح الله ذاك المعذبا

فلا تحملوني صامتين إلى الثرى

فإني أخاف القبر أن يتهيبا

وغنوا فإن الموت كأس شهية

وما زال يحلو أن يُغنّى ويشربا

ولا تذكروني بالبكاء وإنما

أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا.

ولم نستطع أن ننفذ وصية العقاد فقد انتحرت ابنته غير الشرعية، بعد أن رأيناها تلطم خديها وتضرب رأسها بأحذية الأستاذ العقاد. ولم نفلح في أن ندفع النعش إلى أي اتجاه.. فقد تحرك النعش عندما تحرك نعش ابنته ـ عجبى. يرحمهما الله!