بلا أخلاق

TT

في خانة الكوميديا السياسية لا بد أن يصنف الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش كأحد أبرز «المهضومين» وخفيفي الظل. فكيف يمكن أن يؤخذ تعليقه الأخير بأنه لا يزال يعتقد بإمكانية عقد اتفاق سلام كامل وشامل بين العرب والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى على محمل الجد، وخصوصا أنه يجيء بعد مجزرة بشعة ارتكبها أفراد الجيش الإسرائيلي، فاق عدد ضحاياها الـ110 شخص أكثرهم من النساء والأطفال ناهيك من عشرات المصابين والمشردين جراء القصف الهمجي المتوحش.

لم يعد من الممكن إقناع الجماهير العربية بأن عمليات الذبح الإسرائيلية، والحصار المجنون لغزة تصب لصالح عملية السلام كما يروج لها المتطرفون داخل الإدارة الأمريكية مؤيدين بطبيعة الحال النهج الإجرامي للحكومة في إسرائيل. ولكن بطبيعة الحال لا يمكن إغفال أن حماس ساهمت برعونة إدارتها للمواقف وانصياعها لرغبات بعض الأطراف الإقليمية في تصعيد الموقف لتحقيق مكاسب سياسية خاصة ومحدودة.

إسرائيل لا ترغب في السلام ولا تقدم التنازلات الممكنة التي يتطلبها السلام. الفلسطينيون يعيشون «جوا» غير مقبول إنسانيا، والصمت على الجرائم الإسرائيلية لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال لا على المستوى الأخلاقي ولا السياسي ولا العقائدي. إسرائيل بجريمتها الجديدة تضيف صفحة أخرى للسجل الأسود المتزايد لجرائم الدولة اليهودية في الشرق الأوسط.

حماس ذلك المشروع المقاوم الجميل الذي بدأ كأمل لغد يساهم في تحرير الأراضي المحتلة، تحول إلى أداة مسيسة لمصالح الغير توجه الطعنات والتهم لأشقاء الداخل بعد أن كان ذلك من المحرمات العظيمة في تعريف القضية الفلسطينية والمقاومين فيها. لم يعد باقيا من محادثات السلام إلا الكراسي الخاوية والطاولة المليئة بالأوراق والأقلام، فهناك قناعات إسرائيلية إنه بالإمكان القضاء على أكبر عدد من القيادات الفلسطينية في غفلة من الزمن ووسط صمت مطبق، وهناك قناعة فلسطينية أن إسرائيل لم تكن يوما جادة في الوصول إلى السلام، وما يحدث الآن على الأرض ما هو إلا تأكيد لذلك. ولذلك يأتي تصريح جورج بوش وسط هذا المشهد الدموي وتأكيده بأن السلام ممكن، يأتي أشبه بنكتة وهرطقات الرمق الأخير من إدارة لم تنجز أي شيء على أي صعيد يذكر في أي منطقة من العالم كانت.

إسرائيل لا يهمها أي قرار يصدر بحقها، فلا تقارير حقوق الإنسان ضد تصرفاتها أدت إلى شيء، ولا تحفظات محمد البرادعي على برنامجها النووي (وهو الذي اضطر إلى إغلاق هذا الملف فورا) ولا قرارات الأمم المتحدة ولا احترام اتفاقيات جنيف بحقوق الأسرى والمصابين، كل ذلك كان مصيره سلة القمامة السياسية بكل فخر وبكل اعتزاز إسرائيلي. كل ذلك قدم من قبل «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» بحسب تصنيف الإدارة الأمريكية ومراكز صناعة وبحث ودعم القرارات ومراكز الدراسات الاستشارية.

لم يعد الخبر «الفلسطيني» يحتل المقدمة في نشرات الأخبار العربية، فلقد خطف هذا المركز «الشعوذة» السياسية اللبنانية، والجنون «البيني» العراقي بامتياز. وليس للممارسات الإجرامية للجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين حيز يذكر في الأخبار العالمية، إلا أن هناك يقظة ضمير عالمية تحفر وتسونامي قد يكون آن أوانه ووصل لأمريكا نفسها بحسب بعض المقالات واللقاءات التي يجري الحديث عنها. إسرائيل فقدت الملاءة الأخلاقية كدولة وكشعب بسكوتها عن «المحرقة» التي أعلنتها بحق الفلسطينيين، وهذا شر لن يسكت عنه العالم. والعبرة بما حدث في جنوب أفريقيا والهند من قبل.

[email protected]