حماس وفتح والتشجيع المتعصب

TT

المشهد على الساحة الفلسطينيـــــة، خاصة الصراع بين حركتي فتح وحماس، أصبح لدى أغلبية المثقفين العرب كأنه مباراة كرة قدم بين فريقين متنافسين، لا بد لمشجع أي فريق أن يدافع عن فريقه على طول الخط، فإن ارتكب الفريق خطأ فلا بد من تبريره، وإن وقع الصواب من الخصم فلا بد من تدميره، ومثل الجدل في مباريات كرة القدم يكثر الجدل في المباريات السياسية بين حركتي حماس وفتح، وحكم المباراة الفلسطينية في نظر الجمهور العربي محق ما دام أنه تجاوز عن (فاول) سياسي لهذه الحركة أو تلك، وإن قرر الحكم على الفريق هذا الفاول فهو المتحامل المنحاز وربما المرتشي.

طالعوا فضائياتنا وصحفنا العربية من خليجها إلى محيطها لا ترى بين المعلقين والمحللين والمداخلين من ينعتق عن عقلية المشجع إلا نادرا، فكل ما تفعله (فتح) أو السلطة ـ وهما الآن لفظان سياسيان مترادفان ـ فهو حق في مواقفها وإجراءاتها وتصريح ساستها وتبريرها القمع الإسرائيلي الوحشي لغزة، وكذلك التغاضي عن المواقف المخزية لبعض الرموز المتعاونة داخل الحركة مع إسرائيل لدرجة الحميمية المفرطة، والسكوت عن التجاوزات والسرقات والفساد الذي عشش وفرخ في جنبات حركة فتح حتى فقدت شعبيتها لصالح الحركات الفلسطينية المنافسة.

وقل ذات الشيء عن النخب المتعاطفة مع حماس التي لا ترى حلا للقضية الفلسطينية إلا من خلال حركة حماس فقط، فكل قرارات الحركة صحيحة وكل مواقفها السياسية معصومة، فإن صعدت مواجهاتها العسكرية مع إسرائيل فهي الحركة الجهادية النقية، وإن غازلت بالتهدئة والهدنة فهي الحركة البراغماتية البارعة، وإن وثقت علاقاتها بإيران فللحركة رؤية عميقة في تحقيق مصالحها، وليس ثمة خطأ إطلاقا لا في قرارها في الاستقلال بغزة ولا فيما صاحبه من أحداث، وكل ما ينشر في الأخبار عن التجاوزات إما محض كذب أو مبالغ فيه، ولكي تناصر حماس لا بد أن تتبرأ من فتح ومن كل تاريخها النضالي ومن كل كوادرها ولا يستثنون، ويجب ألا يرى الجمهور العربي في فتح إلا حركة عميلة تخدم الإسرائيليين والمصالح الإسرائيلية.

هذا باختصار موقف أغلبية المتعاطفين مع حركتي حماس وفتح وليس كلهم طبعا، عقلية المشجع الكروي تصفيق لكل السياسات والمواقف لهذا الفريق أو ذاك وكأن اللغة العربية لا يوجد فيها حروف الاستدراك والاستثناء، غاب التقييم الموضوعي والنقد الهادف وفرز الألوان، بل وغابت كل الألوان ولم يتبق إلا الأسود والأبيض، وانحسر النقد الذاتي المعلن فصار الخاسر الأوحد هو القضية الفلسطينية.

بين مدرجات جماهير الإعلاميين العرب المتحمسة لفريق حماس أو فريق فتح، يوجد مدرج ثالث لمثقفين عرب تخلصوا من الجاذبية وسبحوا في أجواء الموضوعية التي تصب فعلا لصالح قضيتنا المصيرية فلسطين. «نريد فتح فلسطين بحماس» موضوع مقالة مميزة في جريدة «الحياة» لكاتب يعتبر أنموذجا للكتاب الذين تخلصوا من الجاذبية السياسية وهو الصديق زياد الدريس، ولا أحتاج أن أذكر لكم محتواها فعنوانها البليغ جامع مانع.

أرجو ألا يفهم أحد أنني أحجر على أن يتبنى أحد موقفا سياسيا مؤيدا أو متعاطفا لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، فهذا من المحال. كل الذي أريد أن أقوله أن تحليلا موضوعيا منصفا لما يجري على الساحة الفلسطينية الصابرة صار مثل الشعرة البيضاء في الجلد العربي الأسود، وكل الذي أتمناه أن تتكاثر هذه الشعيرات البيضاء.

[email protected]