عملاق

TT

أصدرت الزميلة «الجزيرة» على مدى أسبوعين، ملحقاً خاصاً عن غسان تويني، شارك فيه نحو 80 سياسيا وصحافيا من العالم العربي وروسيا وفرنسا. وقد خرجت من قراءة الشهادات في عملاق لبنان الأخيرة، بملاحظتين، أولاهما شديدة الاقتضاب: ورد اسم غسان تويني في بعض المقالات، عرَضا، أو صدفة غير مقصودة. الباقي كان عن صاحب أو صاحبة المقال، وما يعني هو، أو هي، لغسان تويني، التواضع جميل، وأحيانا أخاذ.

الملاحظة الثانية نسبة اليساريين والثوريين المشاركين، وأبرزهم الدكتور جورج حبش الذي أرسل مطالعته في «صاحب المكانة العالية في المعرفة والنهضة والتغيير»، قبل أربعة أشهر من وفاته. أفرحني أن أقرأ جورج حبش، الذي كان يرى أن تحرير فلسطين لا يتم إلا بزوال الكيانات المصطنعة، مثل لبنان وإسرائيل، وهو يكتب أن غسان تويني اكتشف الخصوصية اللبنانية، فوظفها في قناعاته وتحليلاته، بما يرفع من شأن لبنان الحر الديمقراطي العربي وبما يرفع عنه عبء المشاكل الإقليمية والدولية والنأي به عن حروب «الآخرين». ولنقرأ جورج حبش: «.. من رموز ورواد الفكر المستنير ورواد النهضة الفكرية والسياسية ومن رافعي لواء الديمقراطية والحداثة ومن وطنيي لبنان العربي. أن نختلف معه فهذه ليست نقيصة. وأن نتفق معه وعليه، فهذه دلالة على وسع حججه وبراهينه وقدراته. ذلك هو غسان تويني الذي لا نستطيع إلا أن نكون معه في وطنيته وعروبته وثقافته نحو مشروع نهضوي عربي». كان يجب أن يفرحنا ما كتبه الدكتور حبش ونايف حواتمة وممثلو «فتح» ومفكرو اليسار اللبناني والعربي. لكنني في الحقيقة متألم لأن هذا الإقرار أو الاعتراف أو الاعتذار الوجداني تأخر أربعين عاما. وجاء بعدما زرع اليساريون والثوار في النفوس الطرية صورة كاذبة عن «النهار» وصاحبها. وأدت تلك المقدمات إلى أن يستحل دم جبران تويني بعد تصويره حاخاماً. لقد اغتالوا فيه كبد غسان تويني وإشراقة الصحافة اللبنانية. وكان وحده يمكن أن يخلف غسان تويني، على ما كان بينهما من اختلافات وخلافات، بحيث كان الأب يردد دائما «ان الأبناء لا يشبهون آباءهم بل عصرهم».

ملاحظة أخيرة: معظم مَن شهدوا لغسان تويني صوروه وكأنه أكبر منهم. شكراً على الصدق.