أزمة لباس

TT

اهتزت دنيا الصحافة والسياسة البريطانية قبل أيام بهذا الموضوع الخطير المتعلق باللباس، أي السروال الداخلي. تفجر الموضوع عندما بعث التلفزيوني جرمي باكسمن برسالة إلى مدير مخازن ماركس اند سبنسر المشهورة ببيع الملابس الداخلية يشكو فيها من تدهور مستوى لباسات هذه الشركة ويقول انها لم تعد تعطي ما يكفي من الدعم. رد مدير الشركة على ذلك وقال ان مستوى لباسات ماركس اند سبنسر مازال كما كان عليه من الجودة. انظم إليه في هذا النقاش محرر الإندبندت فخاطب النجم التلفزيوني قائلا، ربما تكون مشكلتك يا سيد باكسمان تعود إلى تقدمك في السن واقترابك من الشيخوخة بحيث أصبحت تحتاج لدعم اكبر من نسيج لباسك لمواجهة اثر جاذبية الأرض على أعضائك.

تشعب الموضوع وتفرع بحيث راحت الصحف تغص برسائل القراء والقارئات وتعليقاتهم. ورأت الجريدة ان الموضوع على درجة من الخطورة بحيث يتطلب تغطية كافية شافية. خصصت صحيفتان كاملتان لتاريخ لبس اللباس. قرأتهما بما تستحقان من التفكير والإمعان، فوجدت ان الإنسان انتبه لأول مرة إلى ضرورة الستر على عورته قبل سبعة آلاف سنة. فبادر إلى وضع الإزار (الوزرة) على منطقة الحوض. وعملت المرأة هذه الإزار من فراء الحيوانات. ولربما عمدت إليه لزيادة إغراء الرجل. وهو الشيء الذي مازالت تعمله نساء الموضة في الغرب. ثم فطنت لاستعمال الكتان بدلا من الفراء. ولكنني شخصيا أرفض الأخذ برأي المؤرخين هذا. فالمعروف ان أول من انتبه إلى العورة وعمدت لتغطيتها كانت أمنا حواء عليها السلام قبل ملايين السنين فبادرت لتغطيتها بورقة تين.

يظهر أن الإنسان القديم قد اعتز باكتشاف اللباس إلى درجة انه عندما مات الملك توت في مصر أوصى بأن يدفنوا معه أيضا عشرة لباسات. لا ادري كيف ستكون عشرة لباسات كافية لحياته الأبدية في العالم الآخر وأنا استهلك عشرة لباسات في السنة الواحدة.

يقول الباحث الفاضل انه بمرور الزمن عمد الإنسان إلى تضييق اللباس بحيث يندمج بالجسم، ولكن المؤرخين وجدوا ان الملك هنري الثامن كان يلبس لباسا فضفاضا. تحيروا في أمره. ولكنهم تمكنوا في الآونة الأخيرة من حل هذا اللغز. وجدوا أن هنري الثامن كان مصابا بالسفلس نتيجة ولعه بالغانيات وكانوا يعالجون السفلس بضمادات خاصة مما فرض عليهم استعمال لباسات فضفاضة. والله اعلم.

نحن في الشرق تمسكنا بلبس اللباس الطويل. بيد ان دخول جنود المستعمرين إلى بلادنا كشف لجمهورنا استعمال اللباس القصير. ولهذا سموه في العراق «لباس صوجري» اشتقاقا من كلمة صوجر، اي الجندي البريطاني. فشاع بيننا ضمن كل ما اقتبسناه من الغرب، باستثناء طبعا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

جرت كل هذه الضجة التي شغلت الصحافة البريطانية عندما كان أهالي غزة والبصرة وسواهما من حواضرنا يواجهون الجوع والقتل بالجملة. وكله بما يذكرنا بمقولة جومسكي، من ديدن الصحافة الغربية جر الجمهور للسفسفات لتشغلهم عن قضاياهم الأساسية. وها أنا أحذو حذوها ولكن لأنسي جمهورنا آلامنا اليومية.