ثمن التراجع في العراق

TT

عام 1945 التقى الرئيس الاميركي تيودور روزفلت مع العاهل السعودي الملك عبد العزيز على ظهر السفينة الاميركية كوينسي في منطقة البحيرات المرة في مصر. وكان روزفلت عائدا الى بلاده بعد زيارة يالطا، حيث حدد هو وجوزيف ستالين وونستون تشرشل حدود عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. والتفاهم الذي توصل اليه روزفلت والملك عبد العزيز على ظهر السفينة الحربية كوينسي، لم يكن قليل الاهمية، فقد كان اساس الاستقرار في الخليج، وهي منطقة مضطربة ولكنها حيوية، في الـ 63 سنة الماضية. وعاشت معاهدة كوينسي ثلاث حروب عربية اسرائيلية واستمرار النزاعات ذات الكثافة المحدودة بين العرب والإسرائيليين. وقد لعبت السعودية دورا مسؤولا وقامت بدور الوسيط في الاوبك وساهمت في استقرار اسعار النفط في العالم وفي الازدهار العالمي. ولا يوجد بديل للوقود الاحفوري في المستقبل المباشر، ولذا فإن امن واستقرار المنطقة وإمدادات النفط بها مهمة بالنسبة للولايات المتحدة. ان الولايات المتحدة تحارب تمردا في العراق منذ خمس سنوات. لقد كان القضاء على صدام حسين قرارا سليما، ولكن وقعت اخطاء فيما بعد، وكان الثمن مرتفعا.

ان العراق قضية رئيسية في الانتخابات الرئاسية الاميركية. ان استمرار الوجود الاميركي في العراق امر يخص الاميركيين. ولكن التصور العام هو ان السؤال الوحيد المطلوب حله هو توقيت وطريقة انسحاب القوات الاميركية.

ان تكلفة ترك العراق دولة غير مستقرة، مرتفعة. وسيشجع ذلك الجهاديين في كل مكان، والانسحاب السريع من العراق سيدفع قادة العديد من الدول للتوصل الى نتيجة مفادها ان الشعب الاميركي لا يمكنه تحمل 4 الاف ضحية تقريبا في العراق وانه في حرب مماثلة لن تحصل الولايات المتحدة على دعم شعبها لتحمل المعاناة الضرورية. وذلك بعد زيادة عدد القوات بثلاثين الف جندي تحت قيادة الجنرال دافيد بترايوس التي ادت الى تحسن الموقف الامني.

وبصرف النظر عما يقوله المرشحون خلال حملة الرئاسة، لا أعتقد ان بوسع أي رئيس اميركي الانسحاب من العراق بهذه السهولة على نحو يلحق ضررا بهيبة اميركا ونفوذها، وبالتالي نسف مصداقية الضمانات الأمنية الاميركية. يضاف إلى ما سبق ان أي انسحاب متعجل للولايات المتحدة من العراق سيؤدي إلى ان تصبح إيران قوة ذات نفوذ في منطقة الخليج. إيران شيعية، وليست سنيّة. والشيعة أكبر مجموعة سكانية في العراق أيضا. الانقسام بين السنّة والشيعة يعود الى ما يزيد على عشرة قرون، كما ان الانقسام بين العرب والفرس أكثر قدما في التاريخ. إذا أصبحت إيران قوة مهيمنة في المنطقة، فإن ذلك سيؤدي إلى تغيير موازين القوى بين السنّة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن إحداث تغيير في السياسة على الصعيدين الداخلي والخارجي في المنطقة، وفي هذه الحالة فإن الدول المجاورة لإيران ستعدل مواقفها وفقا للواقع الجديد. سيصبح من الصعب أيضا التوصل إلى تسوية دبلوماسية بشأن المشروع النووي الإيراني، والأمر بدون التوصل إلى تسوية سيؤدي إلى أزمة مستقبلا.

بدأت حركة طالبان تستعيد قوتها، ونجاحها في تحقيق انتصار في أفغانستان أو باكستان سيتردد صداه في العالم الإسلامي، كما انه سيؤثر على مجمل الجدل بين المسلمين حول مستقبل الإسلام في العالم. وستكون لذلك نتائج بالغة التأثير، خصوصا في الحملة ضد الإرهاب. وقفت سنغافورة في السابق، ولا تزال، إلى جانب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. كما ساعدت سنغافورة أيضا بنشر سفن في الخليج وطائرات نقل وحاويات لإعادة التزود بالوقود لمساعدة القوات الاميركية. ونساعد أيضا في جهود إعادة إعمار أفغانستان. من الواضح ان الولايات المتحدة لن تبقى في العراق لوحدها. إنها في حاجة إلى تحالف، وهذا أمر يتطلب منهجا قائما على مشاركة أكثر من طرف، وهذا بدوره يتطلب وضوحا وتفحصا عن قرب للمسائل الاستراتيجية. الجدل بشأن العراق داخل الولايات المتحدة ترك إثره على الرأي العام العالمي ومدى جدوى وإمكانية استمرار أي تحالف متعدد الدول.

* رئيس وزراء سنغافورة في الفترة 1959ـ1990

خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»