عدالة وسوية وفرصة

TT

إعلان بسيط في صحف سعودية بطلب معلمات مدارس؛ وتحديداً من الجنسية السعودية للعمل في الإمارات وقطر والكويت، فيقبل عليه آلاف المتقدمات وتنجح منهن مَنْ تنجحْ ويسافرن للعمل.

وهناك العديد من المصريين واللبنانيين والسوريين والعراقيين والمغاربة والجزائريين الذين يواصلون رحلة البحث عن الأفضل وعن الأمل. وهذه الهجرات الجديدة فتحت العديدَ من أبواب النقد والجدل بحق فكرة الهجرة وترك الأوطان والرحيل. ودخلت كالعادة الآراء الدينية، التي اعتبرَ بعضُها مَنْ مات في البحر غير شهيدٍ وأخرى اعتبرته ضالا، ومن شدَّ الرحال كان مذنباً وارتكب حراماً! والغريب أنه كان قديما يُمتدح ويُتغنَّى بأفعالٍ من هذا النوع، ويعتبر من السياحة في الأرض وطلب الرزق، عملا بالآية الكريمة «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها».

وللهجرة العديد من الفوائد والمنافع ويجب عدم التعامل معها على أساس أنها خطيئة أو «خيانة»، فالعرب وغيرهم من الأعراق انتشروا في أصقاع الأرض واندمجوا، وكانوا عناصر ثراءٍ ونماءٍ وتواصلٍ بدلا من عناصر تقوقعٍ وانغلاقٍ وانعزالٍ.

وتجارب اللبنانيين والسوريين واليمنيين والمصريين والعراقيين وأبناء المغرب العربي خيرُ دليلٍ على ثراء ما قُدِّمَ من تجارب شخصية ناجحة جداً تصل إلى حد الإبهار. ومن غير المفهوم أبدا حالة الذعر والقلق المبالغ فيها تجاه موجات الهجرة، فإذا كانت بلاد المهاجرين غير قادرة على استيعابهم لظروف مختلفة سواء كان ذلك نتاجَ أوضاع اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، فلا بد من منحهم حق المغادرة والعودة لديارهم إذا ما سمحت الظروف من جديد بدون المساس أو التعرض لكرامتهم وحقهم في السعي الدؤوب للرزق.

معدلات النمو السكاني العربية مهولة؛ نسبة الأمية قاربت 60%، ومستويات الدخول متدنية جداً ووصلت في متوسطها العام إلى أكثر من 40% يعيشون تحت خط الفقر في العالم العربي. وبحسب تعاريف البنك الدولي وغيره من المؤسسات العالمية، فإن أكثر من 55% من تعداد سكان العالم العربي هم من الفئة العمرية التي تقع دون العشرين عاماً، كل ذلك مؤشرات خطر لا بد من التعامل معها بجدية حقيقية، ووضع الافتراضات الاستباقية الجادة للتعامل مع كل ما قد يأتي سواء من تحديات الداخل أو عدم تعقيد فرص الرحيل والهجرة لمن قرر ذلك.

مطلوب التعامل مع خيار الهجرة وخيار الرحيل على أنه أحد الحلول التنموية الجادة للعمل للدول. وليست الهند ولا الصين ولا أرمينيا وغيرها من الدول بأحسن حالا، وهي التي نشرت أبناءها حول العالم، محوِّلة إياهم إلى عناصر منتجة وجديرة، وصارت قوى ضغط رأس مالية تحولت لصالح تلك البلاد، وذلك بإعادة استثمار جزءٍ من ثرواتهم في بلادهم من جديد.

الافتخار والاعتزاز برحلات وهجرات الأجيال السابقة والنتائج المبهرة والمهمة التي حققها أكثرُهم يجب أن تكون حافزاً حقيقياً وجاداً للأجيال الحالية والقادمة بأن يسعوا لتحقيق ذات الشيء إذا ما سدت في طريقهم الأبواب، فأقل ما يمكن قوله إن الاختيار الذي كان لمن قبلهم يجب أن يمنح وبنفس السوية والجدية والعدالة لمن جاء بعدهم.

[email protected]