تشابك فلسطيني ـ لبناني

TT

عندما يعود المؤرخون في المستقبل غير المنظور للتنقيب في تاريخ منطقة الشرق الأوسط خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين، فلابد انهم سيقفون كثيرا امام سلسلة الازمات والعواصف السياسية التي لم تتوقف لحظة في المنطقة والتي اصبحت تفرخ وتولد بعضها، فالازمات لا تجد حلولا دائمة، وقوسها يتسع من ازمة الى اخرى لتصبح متشابكة مع بعضها لا يمكن حل هذه الا بحل الاخرى لتكون المسألة اشبه بالبيضة والدجاجة ايهما سبق الاخر.

مثال واضح على ذلك هذا التداخل الذي اصبحنا نراه في الازمتين الفلسطينية واللبنانية رغم ان طبيعة كل منهما مختلفة تماما عن الاخرى، فالفلسطينية تتعلق بصراع شعب وحقه في تقرير مصيره والحصول على حقوقه وارضه واقامة دولته المستقلة، والثانية تتعلق بازمة داخلية بين قوى سياسية تتصارع على طبيعة الحكم والتركيبة السياسية للبلاد، وتتداخل معها قوى اقليمية وخارجية تستعين بها هذه القوى، والنتيجة ان هذه المعركة الداخلية اصبحت سواء رغبت هذه الاطراف او لو ترغب معركة اقليمية ترتبط باجندات اكبر منها، ولا ناقة لها فيها ولا جمل.

وهذه قصة قديمة جديدة عانت منها السياسة اللبنانية بحكم الوضع الجغرافي والسكاني والوجود الفلسطيني هناك منذ 1948، وادت الى انفجارات اخذت اشكالا متعددة حسب طبيعة واطراف الصراع الاقليمي الدولي، وظهر في اواخر الخمسينات ثم في النزيف الدموي الداخلي في السبعينات والثمانينات وما رافقها من غزو اسرائيلي وصل الى بيروت، واخيرا الازمة الحالية التي فجرها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وحالة الشلل السياسي المتمثلة في بقاء البلاد بدون رئيس منتخب.

لكن الجديد بالنسبة الى الفلسطينيين خاصة الفصائل المعارضة للسلطة المقيمة في دمشق وفتح هي هذه اللبننة التي تشهدها قضيتهم، فقرارات التصعيد والتهدئة بالنسبة الى بعض الفصائل اصبحت كما يبدو ازرارها خارجية، وبدا مؤخرا ان هناك ارتباطا بين التطورات في غزة وترمومتر الازمة في لبنان وقضايا مثل المحكمة الدولية، ان لم يكن ملف الازمة النووية الايرانية مع الغرب.

والمؤكد ان الضعف الذي اصاب السلطة الفلسطينية ومؤسساتها التي اقيمت بعد اتفاق اوسلو والذي اسهمت فيه اسرائيل بشكل كبير اضافة الى اخطاء السلطة نفسها والمشاكل الفلسطينية الداخلية وراء هذه الحالة الجديدة التي خلقت فصائل وميليشيات وجماعات مثل الفطر لا يعرف احد كيف يمكن السيطرة عليها او ضبطها لو تم الوصول مستقبلا الى اتفاقات.

ولن يحدث تقدم حقيقي في اتجاه تحقيق حلم الدولة الفلسطينية الا اذا اصبح القرار الفلسطيني مستقلا بعيدا عن الاجندات الاخرى وحروب الوكالة التي تدور، صحيح ان لا احد يستطيع تجاوز ظروف المنطقة التي يعيش فيها وتأثيراتها وتوازناتها، لكن هناك فارقا بين ادارة المصالح بقرار مستقل والتعامل مع الاطراف الاخرى اقليمية او دولية من قناعات المصالح الذاتية وبين خوض حروب لحساب اخرين.