الكاستروية: الإصابة التي تعاني منها كوبا

TT

تعود رسالة الصبي البالغ من العمر 12 عاما للرئيس الراحل روزفلت إلى يوم 6 نوفمبر 1940، أي بعد يوم من فوزه بالرئاسة للفترة الثالثة. وفيها قال إنه «مسرور جدا» لفوز روزفلت بالانتخابات. ثم أضاف: «إذا أحببت، اعطني ورقة عشرة دولارات أميركية». وهذه الرسالة موجودة في متحف الوثائق الوطني وتنتهي بعبارة: «صديقك فيدل كاسترو».

مع رفع يده إلى أعلى أشار الشاب كاسترو إلى دوره في التاريخ. فحتى انكسار سحرها ظلت الماركسية جذابة جدا للملايين بوعدها حلا لمشاكل البشر الاقتصادية، المتمثلة بتحقيق الوفرة من دون الاغتراب الناجم عن العمل المأجور. وبدلا من ذلك خلق كاسترو ماركسية متسولة، بجعل كوبا تعتمد على المساعدات السوفياتية التي كانت تدفع ثمانية أضعاف ثمن السكر في السوق لكوبا وكان على رجال كوبا أن «يخوضوا حروب تحرير» متعددة. وحينما سحبت روسيا مساعداتها تقلص الاقتصاد الكوبي بنسبة 35% أكثر من تقلص الاقتصاد الأميركي خلال فترة الكساد الاقتصادي في أواخر العشرينات الذي بلغ نسبة 26.5%. وكان على كوبا تحت الحكم الشيوعي أن تستورد السكر. واليوم يقدم هوغو تشافيز رئيس فنزويلا نفطا قيمته تصل إلى 4 مليارات دولار سنويا الى كوبا وهذا يساوي انتاجا محليا إجماليا قيمته في كوبا تصل إلى 45 مليار دولار.

لكن مغادرة كاسترو لن تغير شيئا لأن الإصابة التي تعاني منها كوبا تتمثل في الكاستروية وهي خلطة مطلية بلون بونابارتي. يعاني أي نظام شيوعي من نهاية تتمثل بجهل لاعلاج له. فبغياب أسواق توفر آلية للمعلومات لا تستطيع الشيوعية أن تعرف كم يجب أن تكون أسعار السلع.

لذلك فإن اسهام الشيوعية المدهش لتاريخ اقتصاد البشرية هو أن السلع من دون فائض القيمة لا تساوي أقل من المواد الأولية التي تدخل فيها. وهذا يعطي نتيجة غير مريحة لنظرية العمل الماركسية بما يخص القيمة، وهي نظرية تقول إن العمل يضيف كل القيمة لمواد العمل.

يجسد الروائي نورمان ميللر والمخرج السينمائي أوليفر ستون الاتجاه التقدمي في هوليوود وكلاهما كانا يحملان أوهاما عن كوبا. ففي عام 1960 حينما جاء كاسترو إلى مانهاتن كتب ميلر معلقا «شعر المرء وكأن الحياة باردة في دمه... وكأن شبح المجلس النيابي من القرون الوسطى في إسبانيا قد ظهر في قرننا وهو يمتطي حصان زاباتا الأبيض». أما ستون المتعلم البطيء فقال قبل عدة سنوات: «علينا أن ننظر إلى كاسترو باعتباره واحدا من حكماء الأرض».

حكم كاسترو كوبا خلال حكم عشر رئاسات أميركية وهذه الفترة أطول من حكم الاتحاد السوفياتي لأوروبا الشرقية. وسمته مجلة أيكونوميست «ملك لير الكاريبي». يغتاظ على جزيرته مع غياب أي شيء يحتفل من أجله عدا قدرته على البقاء طويلا في السلطة، وكان ابتكاره محددا بهذا الأمر: أضاف خانة جديدة في تصنيف أنظمة العالم ـ الحكومة المرتدية ملابس حفلة. مفيدة أخيرا، مع قيام القائد، الذي ارتدى من أجل النجاح ملابس عسكرية ويترأس متحفا للماركسية.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»