يساوي ما يشربه عصفور من النهر!

TT

فجأة شعرت بالفزع فقد نظرت إلى الكتب أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي. كل هذا علم. وكل هذا لا أعرفه. وليس في العمر، ولا كان وقت لكي أعرف كل ذلك.. مع أن هذه مكتبة صغيرة إذا قورنت بالمكتبات العامة. وكنت أشعر دائماً أن هذه الكتب في خدمتي. أطلبها فأجدها.. أسألها فتجيبني وأنا لا أشغل منها إلا مساحة صغيرة تتسع لمؤلفاتي (184 كتاباً) وهو عدد كبير بالنسبة لفرد، ولكنها ولا حاجة بالنسبة لما لا نهاية له من المعرفة!

وأحسست كأنني ذهبت إلى البنك وفي لحظة حاولت أن أقارن ما أملكه بما لا أملك. فالذي أملكه ولا حاجة.. أو كما ذهبت إلى البنك الأهلي في طهران الذي أودعوا فيه كميات هائلة من الماس من كل حجم ولون ووزن. في لحظة واحدة أحست كل السيدات بأن الذي يضعنه في أصابعهن أو أعناقهن ليس إلا ذرات من الرمال وسط الصحارى.

فالذي أملكه قليل جداً والذي أعرفه أقل القليل. ولكني أحاول. وحاولت وأنا أعلم علم اليقين أنه مهما طال الأجل فهو قصير. ومهما حصلت من أي علم فهو ضئيل.

ولما سئل العالم الإنجليزي الكبير نيوتن الذي هو أكبر عقلية خلقها الله عن مدى علمه فقال: مثل ظلطة ملونة على شاطئ المحيط.

ولما سئل العالم الألماني أينشتاين قال: إن علمه لا يعدو أن يكون طابع بريد ألصقوه في مسلة فرعونية!

ويقول الشاعر الألماني شيلر: إن الله يخفي عظمته وحكمته عن الناس ليشعر كل عظيم إنه شيء، وكل فيلسوف أن لديه شيئاً. والقرآن الكريم يقول: «وكل بما لديهم فرحون».

ويحكي لنا الطبري أن موسى عليه السلام ذهب إلى النبي الخضر يقتبس من حكمته. فجاء عصفور يشرب من ماء النهر. فقال له الخضر إن علمي بالقياس إلى علم الله في حجم الماء الذي شربه العصفور من هذا النهر!

ولما سئل الفيلسوف الفارسي السعدي قال: لا تنظر إلى الشمس يكفي أنك تعيش على القليل من نورها.. فما بالك بنور الله!