هل تغير البي بي سي المشهد؟

TT

ستشتعل حدة المنافسة بين البيوت التلفزيونية بعودة البي بي سي الى البث بالعربية، وهي تجربة يفترض أن نؤجل الحكم عليها الى بضعة أشهر، لأنه من المبكر الحكم على أي عمل فور اطلاقه. والذي يهمني أن أعلق عليه ليس نجاح أو فشل التجربة، أو موقعها في سماء الفضائيات العربية، بل الأهم في نظري هو في أي صف ستقف المولودة الجديدة بين المحطات؟

وسيرد أي مسؤول إعلامي بدبلوماسية متوقعة يجب على المحطة ألا تقف في أي صف. وهي إجابة خاطئة، لأن الخيار الموجود في السوق الاعلامية اليوم ليس في صف إيران أو سورية أو أميركا أو غيرها، بل الامتحان الحقيقي هو بين المهنية واللامهنية. احترام أصول المهنة لا يزال ضعيفا في سوق الإعلام العربي. فالإعلامي العربي بعمومه نشأ في بيئة تعتبر الإعلام مدفعا ومسجدا وحزبا وثقافة أحادية، ونقل معه في كل مكان افتتحه أو هاجر اليه هذه القناعات المحسومة. وهنا يأتي دور الإعلام الجديد، مثل البي بي سي التلفزيون لتقرر لنفسها من أي معسكر تريد أن تبث. وهنا لا يهم الموقف السياسي، مع أو ضد، بل الممارسة اليومية من حيث نقل الحقائق للجمهور العربي، وعكس الآراء حولها.

وقناعتي تزداد إيمانا بأهمية وخطورة الإعلام في العالم العربي، أكثر من أي أداة تحديث أخرى. فالإصلاح السياسي، والتنمية المحلية، والتعايش الاجتماعي، لا يمكن ان تتحقق بدون إعلام مهني، وأولها نقل الصورة الى الناس كما هي، لا وفق جراحي الإعلام الذين يفرضون آراءهم السياسية. والمأمول أن تعزز البي بي سي هذا التيار المهني في الإعلام العربي، الذي يقوم على احترام القواعد الصحفية في الخبر والرأي. سيكون الحكم على بنت المؤسسة الاعلامية البريطانية العريقة أثناء الأزمات الكبرى. إن التزمت البي بي سي الحيادية فإنها تكون قد انتصرت للاعلام العربي المهني وساعدته على فرض الأصول التي ينبغي على الإعلامي العربي اتباعها.

وأعرف انه يصعب علي أن أعطي صورة واضحة لطبيعة المشكلة القائمة في سوق الإعلام العربي، من دون نقد الوضع الحاضر، وهو أمر لا أريده احتراما لهم ولتجربتهم، لكن اتصور أن ظهور البي بي سي سيعين تيار المهنيين ضد المؤدلجين الذين احتكروا وسائل الإعلام من المحيط الى الخليج عقودا طويلة. منذ سنوات قليلة كانت الحيادية مهمة خطرة جدا لأي صحافي عربي، وكان من الصعب على أي مؤسسة اعلامية عربية ان تكون بلا موقف حزبي او آيديولوجي واضح.

وقد ينتقد البعض مطلبنا في تحكيم المهنية بدعوى ان القضايا الكبرى لا خيارات فيها، او لان الاعلام هو لسان الشعب وليس مسطرة لأهل المهنة. اعتراضات استخدمت كالسكين لطعن الغير بها، واتهامهم بالخيانة واللاوطنية، والتشكيك في مواقفهم. والحقيقة ان الاعلام لم يكن أبدا لسان القضايا بل معسكرات ضد أخرى، ولم يكن أبدا لسان حال الشعب لأنه امام شعوب وقبائل متفرقة. الاعلام عليه واجب أول هو تقديم المعلومات الاساسية واحترام عقل المواطن العربي بدل تلقينه كيف يفكر ويقرر.

[email protected]