خمسة بعد المائة

TT

لم تكن لي علاقة بالنفط والطاقة أكثر من ملء خزان السيارة بالبنزين 98 أوكتان (لا أدري ماذا يعني ذلك)، وتأمين أنبوبة الغاز في المنزل. لكن مثل كل مقيم على هذه الأرض، تابعت حركة صعود وسقوط النفط، وأخبار نضوب الطاقة. وقد ارتبط النفط بحياتنا في نصف القرن الماضي تماماً مثل ارتباط المياه بالحياة، وأحياناً أكثر وأخطر. وكنت في نيويورك إبان حظر النفط عام 1973، وأدركت أهمية هذا السائل العجيب الذي يطلع من قاع البحار ومن قاع الصحراء سيان، عندما كنت أرى مئات الناس كل يوم تقف في طوابير طويلة أمام محطات الوقود.

وهكذا إذاً، رحنا نتتبع أحوال النفط، لأنه مادة سياسية لا مثيل لها. وعرفنا في ما بعد أنه لولا النفط لكان الاتحاد السوفياتي قد سقط عام 1984، كما تنبأ له اندريه اماتريك، عام 1969، وما استمرّ 4 سنوات أخرى، فوق فترة الإنذار.

ومثل كل شيء في الدنيا، انقسم النفط إلى قسمين: ثوري و«رجعي». الثوري، كما عند السينيور شافيز، يصرف الثروات على كولومبيا اليوم ويغزوها غدا. والنفط «الرجعي» يقيم مدينة كالرياض كانت في حجم بيروت وأصبحت في حجم لبنان. أو يحوّل قفراً مثل دبي ـ بفوائضه لا بمنابعه ـ إلى نموذج دولي.

رغم اهتمامي الشديد أو العفوي بشؤون النفط، لم يكن ممكناً أو مسموحاً أو مقبولاً أن أجاري اهتمام الدكتور أحمد زكي يماني، أو الشيخ سعود الناصر. فكلاهما من أهل الخبرة ومن أصحاب الأمر، فيما نحن لا تزيد أمورنا على التفاح الجبلي والتين البقراطي. المواطن التفاحي أسلم أمره واتّكل على خبرة وزراء النفط السابقين يحللون له، ولسواه، حركة التشاؤم والتفاؤل. وقد أصيب العالم العربي بشقيه، النفط والتفاح، الثورة والرجعية، باكتئاب شديد عندما توقع اليماني وصول برميل النفط إلى 5 دولارات، وتوقع سعود الناصر وصوله إلى ستة. أو العكس. والله لم أعد أذكر. وأنا شخصياً آخذ دائماً بتنبؤات الخبراء والمحللين. وكان عندي نحو 150 سهماً في شركة نفط فرنسية، فسارعت وبعتها. وشكرت ربي على وجود خبراء من حولنا يدلوننا على حُسن السبيل وحكمة الخيار. عندما تجاوز النفط 105 دولارات للبرميل الواحد، لم أملك إلا أن أتذكر تنبؤات الشيخ الناصر. أو الدكتور اليماني. والله لم أعد أذكر. وقد مضى وقت طويل لم ألتق الدكتور اليماني الذي عرفته أول مرة في الطائف عام 1964. ولا أعتقد أنني سألتقي الشيخ الناصر. لكن عندما ألتقي الوزير اليماني في أول مناسبة، سوف أشكره لأنه كان أكثر تفاؤلاً من الشيخ الناصر بنقطة واحدة.