لا قانون: لظهورها أو اختفائها!

TT

سألني التلفزيون المصري: هل لم يعد في مصر أدباء ولا شعراء.. أين العقاد وشوقي ومختار؟ واعترضت على السؤال. فليس صحيحاً أنه لا يوجد أدباء.. بل يوجد من كل لون وحجم ويوجد فنانون أيضاً. وليس من الضروري أن يكونوا نسخة مصغرة أو مكبرة من عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم وصلاح طاهر ونجيب الريحاني. وقد يمضي زمن طويل لا يظهر فيه محمد عبد الوهاب أو أم كلثوم أو شوقي.. قد تمضي عشرات أو مئات السنين.. فلا توجد قاعدة لظهور موهبة.. لا قاعدة ولا مكان ولا زمان. ولا مقدمات أيضاً. فالحضارة الأغريقية مثلا في القرون الخامس والسادس والسابع قبل الميلاد قد جمعت أعظم الفلاسفة طاليس وفيثاغورث وسقراط وأفلاطون وأرسطو وهيرودوت وسوفوكليس وكثيرين غيرهم لم يتكرروا. بل مضت بعد ذلك 25 قرناً لم يظهر إلا روائي واحد وثلاثة من الشعراء. الروائي هو كازانتراكس وأهم الشعراء سفيريادس. وبس! ولا يوجد سبب لهذه الوفرة والكثرة والغزارة العبقرية.. ولا توجد قاعدة لهذه الندرة في المواهب في الفن والشعر.

ولا بد أن منظرنا يبعث على الضحك عندما نزور بيوت العباقرة ونتأمل الجدران والأرض والسقف والآنية التي كانوا يأكلون فيها والأسرة التي كانوا ينامون عليها.. إن شيئا من كل ذلك لا علاقة له بالعبقرية.. فعندما نزور بيت عبقري الموسيقي موتسارت ونرى أدوات المطبخ النحاسية.. أو عندما نرى سريره الصغير، لأنه كان قصير القامة.. وعندما نرى إحدى الوسائد تفصل بين زوجته وبينه.. شيء مضحك أن نتصور أن هذه الأشياء لها دخل في العبقرية.. فلا البيت ولا المدينة ولا الأب ولا الأم..

ومدينة أسوان ليست سبباً في عظمة العقاد ولا قرية طه حسين ولا قصر شوقي على النيل.. ولا الكوخ الذي عاش فيه ولم يره أبو العلاء المعري.. ولا الصحارى كانت مهبط الوحي للمتنبي..

صحيح أن مائة شاعر معاً لا يصنعون شوقي ولا شكسبير. ولكن لكل زمان شعراؤه وأدباؤه وفنانوه. ولن يختفي الشعر أو الفن أو العلم.. ولكن ليس من الضروري أن تتكرر المواهب والعبقريات. ولأننا لا نعرف أسباب ظهورها، فإننا لا نستطيع أن نولدها.. وإنما فقط أن نهيئ الجو لظهورها ـ تظهر أو لا تظهر!