سيناريو وسيناريو

TT

عقد الزميل فهمي هويدي في مقالته «استدعاء سيناريو إبادة الهنود الحمر» (23/1/2008) مقارنة بين ما فعله البيض بالهنود الحمر في أمريكا وما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين. هذه مقارنة طالما ذكرها الباحثون العرب وغير العرب. الحقيقة أنه حتى بعض الصهاينة يعترفون بها فيقولون إنه كما فعل البيض في إزاحة الهنود الحمر من الساحة وبناء حضارة مذهلة في مكانهم، سيفعل اليهود في الشرق الأوسط فيبنون حضارة جديدة.

بيد أن الزميل فهمي هويدي فات عليه أن يتمم المقارنة. وهذا ما سأفعله الآن نيابة عنه. استطاع البيض أن يفعلوا ما فعلوه في أمريكا لأن الهنود الحمر افتقروا إلى قيادة واعية ومتطورة ومخلصة. انتصار البيض على الهنود وانتصار الصهاينة على العرب يمثلان انتصار العلم والعقل والتكنولوجيا على الجهل والتخلف والخرافات. خير مقارنة تخطر على الذهن هنا هي المواجهة التي جرت بين المفتي محمد أمين الحسيني، في تمثيل العرب، والدكتور حاييم وايزمان، في تمثيل الصهيونية، أمام لجنة التحقيق البريطانية عام 1936. أمين الحسيني كان عالم دين قضى حياته في دراسة الشريعة الإسلامية وإصدار الفتاوى الشرعية في بطلان طلاق السكران أو نفاذه. الدكتور وايزمان كان بروفسورا في الكيمياء توصل إلى تطوير نوع جديد من البارود أعطى المدافع البريطانية قوة أمضى من قوة المدافع الألمانية وساهم في كسب الحرب للحلفاء. صرح لويد جورج بعد انتهاء القتال بأنه أصدر وعد بلفور مكافأة له على مساهمته هذه.

شتان بين رجل ورجل! وسيناريو وسيناريو!

في مطلع القرن الماضي، أصدر نجيب ناصر مجلة «الكرمل» التي شدد فيها على ضرورة رفع المستوى الثقافي للفلسطينيين كجزء من المجهود الوطني للدفاع عن عروبة فلسطين. وهو شعار تبنته المنظمات الفلسطينية في ما بعد فحرصت على فتح المدارس والمعاهد وتعميم التعليم. وهذا ما جعل الفلسطينيين الآن أكثر الشعوب العربية تعلما وأقلها أمية. وبالمناسبة، كان نجيب ناصر شابا نصرانيا.

رغم هذا التفوق العلمي والثقافي للفلسطينيين، فمن المؤسف أن تركة الماضي التي تنوء بها كل الشعوب العربية، أثبتت أنها أقوى عندنا من المكتسب من العلوم الحديثة والفكر المعاصر. وهكذا ظل الفلسطينيون يلوذون بتراث الماضي ويسلمون رقابهم لبعض القادة المتخلفين والانتهازيين والنفعيين الذين لا يعنيهم من أمر أمتهم غير سؤددهم وسلطانهم وراحتهم ومكاسبهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم وذويهم.

إنني ألوم القيادات الفلسطينية. والفلسطينيون يلومون الحكام العرب. ولكن لماذا ابتلي الهنود الحمر بأولئك المشايخ، وأبناء فلسطين ببعض أولئك القادة والحكام الذين مزقوا الشعب الفلسطيني وشوهوا القضية الفلسطينية طوال سالف تاريخها المأساوي؟ الجواب واضح. إنه الجهل والتخلف اللذان يجعلان الجاهل يسيء الاختيار فيسلط على نفسه الجهلاء.

وخذوا المثل الآخر في العراق وانظروا كيف صوت العراقيون في انتخاباتهم الأخيرة.