مفاهيم خاطئة على طريق الحوار العربي ـ الكردي

TT

كثيرة هي الكتابات التي تناولت صورة الكردي عربيا، وهي جهود كبيرة تستحق كل التقدير والثناء، فيما لم يتطرق أحد للطريقة التي فهم بها الكردي كيفية تكون هذه الصورة اصلا، وهذه جزئية جوهرية ومهمة للغاية، اذ عليها يبني الكردي موقفه من مجمل الآخر العربي. هذه المحاولة لا تدعي انها تحل هذا اللغز، بقدر ما تحاول ان تسهم في توضيح اللبس، الذي اكتنف فهم الكردي لتكون صورته المشوهة، والهدف ابعد ما يكون عن التخندق، بل هو السعي لتجاوز العوائق النفسية التي تقف امام بدء حوار عربي ـ كردي متوازن وحقيقي.

جزء كبير من الظلم الذي لحق بالصورة الكردية في العالم العربي، هو نتيجة لتراكم طويل من عمل بعض اجهزة الاعلام العربي، والحالة الكردية في الحقيقة ليست سوى نموذج لعمل هذه الأجهزة التي كان عملها انعكاسا لأيديولوجية النظام العربي الحاكم. وهنا تكمن مشكلة فهم الكردي لهذه الحالة التي تتحكم في نظرته لعلاقته مع العالم العربي، والتي تحكمها عدة عوامل تؤثر اغلبها بصورة سلبية على مجرى العلاقة ذاتها. فالكردي ظل يتساءل بتشاؤم عن جدوى الموقف العربي المؤيد لحقوقه، اذا كان هذا التأييد مقتصرا على مجموعة مثقفين لا حول لهم ولا قوة، وهم يعيشون بالأصل على هامش مجتمعاتهم، وظل الكردي يتساءل عن موقف الأجهزة والقنوات الفاعلة ذات التأثير والسلطة. صحيح انه يشعر بقدر كبير من الامتنان لكل المثقفين العرب المؤيدين له، لكنه في المقابل يبحث عن موقف داعم اكثر فاعلية.

بالإضافة الى اقتناعه بأن الطيف العربي المؤيد لحقوقه، هو الطيف المنفي والمطرود من قبل الانظمة العربية، ظل الكردي يرى بأن الطيف الواسع الآخر يتخذ منه موقفا سلبيا، مما خلق لديه انطباعا قويا بأن صورته المشوهة تلك لم تأت هكذا كنتيجة طبيعية، بل هي جاءت بإيحاء وتلقين من قبل الانظمة والتيارات الرسمية والتي ظلت تنظر الى الكردي كعميل متآمر على العرب. من هنا ترسخت في لا وعي الكردي صورتان، اولاهما للعربي الذي يتفهم ويؤيد حقوقه المشروعة، وهو في الغالب منفي ولاحول ولا قوة له، بينما يقف في الجانب الآخر العربي صاحب السلطة والنفوذ والذي ينظر للكردي نظرة عدائية. وهنا ترسخت معادلة العربي المنصف المنفي، الذي يمكن ان يتحول الى الطرف الآخر من المعادلة بمجرد حصوله على السلطة والنفوذ. من هنا أخذ الكردي يتعاطف مع كل عربي منفي، ويقف خائفا متشككا من العربي الذي يمسك بزمام السلطة.

هذه المعادلة لم تأت قطعا من فراغ، بل هي جاءت كتحصيل حاصل لموقف الاعلام العربي من الكوارث والمذابح التي لحقت بالأكراد، حيث ان الاعلام الرسمي ظل متخندقا مع الانظمة القمعية التي حاولت ابادة الاكراد، ودأب حتى على التبرير لجرائم النظام ضد عموم العراقيين وخصوصا الاكراد منهم. هذا المشهد المأساوي شابه في المقابل بصيص من موقف شجاع لعشرات المثقفين من العرب الذين ظلوا مدافعين وبشراسة عن حق الكردي في الوجود، لكن هؤلاء ظلوا يشكلون الطيف المعارض للانظمة العربية.

تخبرنا التجارب، ان الاعلام العربي الرسمي ظل يرسم صورا رسمية للآخر، لا بل حتى للأطياف العربية الحديثة الداعية للانفتاح والحرية. وهذه الصورة ظلت صورة شيطانية لمجموعة عملاء متربصين، مما يبين بأن المشكلة ليست في صورة الكردي بقدر ما هي مشكلة عربية. بمعنى ان المشكلة تكمن في طبيعة الاعلام العربي، الذي ظل يخضع في غالبيته وخلال عمره الطويل لأيديولوجيا الانظمة والتيارات الرسمية ولأساطيرها المترسخة. فالإعلام العربي ظل يشكك في نزاهة وبراءة كل من يدعو الى المزيد من الحرية حتى داخل المجتمعات العربية، وقد قدم البعبع الاسرائيلي في هذا المجال، افضل خدمة لهذا الاعلام، الذي ظل يتخذ من المحافظة على الأمن القومي ذريعة للوقوف بوجه كل الأحرار العرب.

لكي نبدأ بخطوة مجدية، علينا ان نبتعد اولا وقبل كل شيء عن شعاراتنا الشائعة ورؤيتنا النمطية للمشكلة، وان يحاول كل طرف ان يراها من زاوية مختلفة، عندها يمكن ان نقول بأن رحلة الألف ميل على طريق الحوار العربي ـ الكردي الحقيقي والمتوازن قد بدأت. والمسألة تبدأ بالكردي الذي عليه ان يصحح نظرته النمطية التي تعتقد بأن صورته السلبية، هي ثابتة وأزلية، وهي نتيجة لموقف عربي أبدي يعادي كل ما هو كردي، لا لشيء الا لأنه كردي. بل عليه ان يرى العلة على حالها، وهي ان الاعلام العربي الرسمي يرسم صورة شيطانية لكل ما يشكل خروجا على قوقعة النظام العربي الرسمي، وان الصورة السلبية للكردي، ليست سوى أحد نماذج عمل هذه المؤسسة الاعلامية، وأنها ليست حكرا على الكردي وحده.

في المقابل يسهم تغيير الموقف العربي الرسمي من الحالة الكردية اسهاما كبيرا ومهما للغاية، فبعد ان كانت المؤسسات العربية الرسمية تروج لصورة الكردي المتآمر، اخذت تتعامل بروح ايجابية مع التجربة الكردية في كردستان العراق، ومنها بالطبع دول الخليج والجامعة العربية، وكذلك الاتحاد البرلماني العربي، والمسألة في النهاية سياسية، فالمتهم عربيا لم يكن الفرد الكردي، بل كانت السياسة الكردية. وهذا التصحيح سياسيا، يشكل ارضية قوية لإزالة القسم الاكبر من اللبس والغموض، وليس علينا الا ان نبدأ.

* كاتب وصحافي كردي عراقي