لبنان ومسيرة الأرقام القياسية

TT

في أعقاب «استقلالهم» الاول عن فرنسا عام 1945 كان يحلو للبنانيين ان يتباهوا بأن بلدهم هو «سويسرا الشرق».

وفي أعقاب «استقلالهم» الثاني عن سورية عام 2005 لم يبقَ للبنانيين مدعاة تفاخر سوى ...أهليتهم لاحتلال سجلات «غينيس» للارقام القياسية في العالم (Guiness World Records ).

في ظل الاحوال الجديدة، لم يكن مستغربا من رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، أن يلاحظ خلال زيارته الاخيرة للعاصمة البريطانية، حلول بلاده، على الرحب والسعة، في صفحات السجلات الشهيرة للارقام القياسية وذلك على صعيدي تعداد أيام الاعتصام الاحتجاجي الاطول في التاريخ (خيم الوسط التجاري في بيروت) وأيام «الاقفال» الاطول في التاريخ لقاعة اجتماع النواب في البرلمان ... دون مبرر شرعي يعتد به.

غني عن التذكير بان مراوحة وضع «اللاغالب ولا مغلوب» على حاله منذ أكثر من سنة يرشح لبنان لتحطيم المزيد من الارقام القياسية على صعيد كل الممارسات السياسية المعهودة في الدول الديمقراطية ودول النظام البرلماني.

إلا إن الانجاز الحقيقي للبنانيين يبقى في دخولهم سجلات «غينيس» من بوابة الإحباطات لا الإبداعات.

على هذا الصعيد يبدو المستقبل واعدا، فبعد انقضاء الشهر الثالث على خلوّ سدة الرئاسة من خلف منتخب للرئيس المنتهية ولايته، وعقب الارجاء السادس عشر لجلسة الانتخاب الرئاسي، وفي ظل تحول المبادرة العربية الى تجربة متكررة في الجدل البيزنطي، وبعد أن لاحت بوادر انتقال خلافات الساحة اللبنانية الى الساحة العربية ... يصح التساؤل: هل ستقتصر سجلات «غينيس» على تعداد أيام الاعتصام في وسط بيروت وأيام الاغلاق التفردي لقاعة البرلمان وأيام الفراغ في قصر الرئاسة في بعبدا أم أنها ستطال أيضا «انجازات» أسوأ وأدهى؟

إذا جاز اعتماد الاحباطات السياسية والوطنية مقياسا لاهلية لبنان لضيافة سجلات «غينيس»، لجاز أيضا إدراج سلسلة من الظواهر السياسية التي خص اللبنانيون وطنهم بها من دون غيره من دول العالم الحديث.

في هذا الاطار، حدث ولا حرج:

* ليس في العالم بلد غير لبنان يعجز عن انتخاب رئيس له بقرار متخذ في الخارج رغم توفر كل المعطيات الشرعية للانتخاب... من مجلس نواب منتخب ديمقراطيا الى مجموعة مرشحين مؤهلين لمنصب الرئاسة.

* ليس في العالم بلد غير لبنان يطبق شكلا من اشكال الديمقراطية البرلمانية، ترفض أقليته النيابية أن تمارس أكثريته المنتخبة حقها الدستوري في الحكم بذرائع توحي بأن ديمقراطية لبنان مرشحة للزوال عند أول سانحة تاريخية مواتية.

* ليس في العالم بلد غير لبنان ـ بعد انهيار الامبراطورية السوفياتية على الاقل ـ خلعت فيه العمالة للخارج قناع الخجل لترتقي الى مستوى الالتزام الحزبي الآيديولوجي في تبعيتها للخارج ولتتحول الى موضع اعتزاز وفخر من قيادات احزاب التبعية وقاعدتها أيضا.

* ليس في العالم بلد غير لبنان يظهر «طابوره الخامس» هذا التوق الى الرقص برشاقة على «الساحة اللبنانية» مع كل ضربة دف يسمعها ... إذا كان ناقرها أجنبيا.

* ليس في العالم بلد كلبنان تتجاوز الاغتيالات السياسية فيه العشرين في ثلاثة عقود وتبقى جميعها مسجلة على فاعل مجهول ... لمجرد كون الفاعل معروفا من الجميع.

يوم طرح رئيس الحكومة الراحل، صائب سلام، في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم شعار «لبنان واحد لا لبنانان» كان يهدف الى توحيد كلمة اللبنانيين في إطار كيان وطني واحد.

واليوم، إذا جازت العودة الى هذا الشعار على خلفية الاحباطات التي استحقت الذكر في سجلات «غينيس» للارقام القياسية، فقد يكون من منطلق كون«لبنان واحد» كاف للبنانيين والعرب وسجلات «غينيس» أيضا ...فكيف بلبنانين؟