الانتخابات الإيرانية: محدودة.. لكنها مهمة

TT

يتوجه الإيرانيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس الشورى الإسلامي، الذي أسسه آية الله الخميني عام 1980.

ويتنافس حوالي 3000 مرشح على 290 مقعدا (العدد المحدد غير واضح بسبب انسحاب نحو 1100 من أصل 4470 مرشحا صودق على ترشيحهم).

القضية الأكثر إثارة للنقاش الساخن في الوقت الراهن هي حجم مشاركة الناخبين. إذ دعت مجموعات سياسية متعددة، ابتداء من المؤيدين للحكم الملكي إلى الاشتراكيين مرورا بالليبراليين والقوميين، لمقاطعة الانتخابات التي وصفوها بأنها غير نزيهة.

وجدت دعوات المقاطعة صدى لدى أقسام من «المعارضة الموالية» داخل المؤسسة الخمينية، كما وجدت هذه الدعوات اهتماما أيضا من كثير من الإيرانيين الذين يشعرون بخيبة أمل تجاه فشل مجلس الشورى في العمل كمؤسسة فاعلة ووسيط بين الشعب والسلطة.

عززت عدة أحداث الشعور لدى الإيرانيين بأن المجلس خسر الشرعية المحدودة التي كان يتمتع بها. فالعملية الانتخابية وضعت تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، الذي يدير المشهد واحد من قادته كنائب لوزير الداخلية. ويتعامل الحرس الثوري مع الانتخابات كونها عملية عسكرية أكثر منها عملية سياسية.

الجمهورية الإسلامية ربما تعتبر الدولة الوحيدة التي تجري فيها الانتخابات تحت السيطرة الكاملة للحكومة. ليست هناك لجنة انتخابات مستقلة ولم يتم تعيين مراقبين بواسطة المرشحين. وبما ان الأحزاب حلت، لا يوجد أيضا نظام تعددي للمراقبة. ولا يوجد أي مراقبين أجانب.

ومن اجل تقليص الخيار يجري التدقيق بالمرشحين من جانب الأجهزة الأمنية والحرس الثوري. وتعد القائمة النهائية من جانب مجلس أمناء الدستور، وهو مجلس معين من قبل الدولة. وأخيرا فإن «المرشد الأعلى» يمكن، على الدوام، أن يدخل أي شخص الى القائمة او يخرجه منها.

ولا يدلل نشر القائمة النهائية، التي استبعد منها كل النقاد المشتبه فيهم من جانب النظام، بدء حملة حقيقية. والحملة محددة بفترة اسبوعين وهي غير كافية لمعظم المرشحين من أجل الحصول على اعتراف بأسمائهم ناهيكم من دعم برنامجهم.

وهذا يرغم المرشحين على دخول العملية كجزء من القوائم المصادق عليها من جانب الكتل الانتخابية المختلفة. وذلك، بالمقابل، يجعل «تثبيت» النتائج اسهل، خصوصا في الدوائر الانتخابية الكبيرة مثل طهران. (يمكن للحرس الثوري ان يملأ صناديق الاقتراع بقوائم من مرشحيه المفضلين)، والقيام بحملة في انتخابات ايرانية هو ليس الشيء نفسه في انتخابات الدول الديمقراطية.

فالمرشحون لا يسمح لهم بانتقاد المنافسين شخصيا أو سياسيا. كما لا يسمح لهم بمهاجمة الحكومة أو كبار المسؤولين.

وأية ملاحظة طفيفة بشأن «المرشد الأعلى» يمكن أن تعني عدم تأهل المرشح في الحال. كما ان انتقاد النظام غير مسموح به.

وفي حديث له قبل اسبوع من الاقتراع أبلغ «المرشد الأعلى» علي خامنئي المرشحين بألا ينسوا بأن المجلس «جزء من النظام، وليس منطلقا للتصرف ضده».

والسؤال هو من يقرر ماذا يعني «التصرف ضد النظام».

وليست هناك مناظرات بين المرشحين بينما وسائل الاعلام التي تملكها الدولة غير ملزمة بتوفير وقت متساو للمتنافسين.

وحتى عندما ينتهي الاقتراع في جولتين لا يمكن أن يكون الفائزون واثقين بدخول المجلس. فالقائمة النهائية للمنتصرين يجب ان يصادق عليها مجلس امناء الدستور و«المرشد الأعلى».

وقد يتساءل كثيرون ما معنى الممارسة؟

والنقطة هي ان تلك الانتخابات تمكن مؤسسة الحكم من حل المنافسات الداخلية بدون اراقة الدماء، وهو شيء عادي في العديد مما يطلق عليه «الدول النامية».

وانتخابات اليوم هي الثامنة منذ استيلاء الملالي على السلطة عام 1979. وفي الاقتراعين الاولين، تخلص الملالي من الاسلاميين الماركسيين والعناصر الشيوعية. ثم جاء دور ما كانوا يسمون انفسهم بـ«الوطنيين الدينيين» في الانتخابات التالية. وساعدت الدورات الانتخابية من الرابعة حتى السادسة على تبادل السلطة بين جناحين من نفس المجموعة من ملالي الخميني الذين نفذوا عمليات التطهير.

اما الانتخابات السابعة فقد تميزت بدخول عناصر عديدة من الحرس الثوري في المجلس. فلأول مرة، زاد عدد الأشخاص الذين ينتمون للحرس الثوري عن الملالي.

وأكد انتخاب احمدي نجاد رئيسا للجمهورية الاسلامية وضع الحرس الثوري الجديد باعتباره العمود الفقري لنظام الخميني.

والانتخابات الحالية مهمة لأنها اول انتخابات تتنافس فيها مجموعات من الحرس الثوري على نصيب اكبر من السلطة في الوقت الذي يحتل فيه الملالي المرتبة الثانية. وتبدو الانتخابات مثل انتخابات تمهيدية يعقدها الحرس الثوري لتوزيع مقاعد المجلس بين اعضائه وحلفائه من بين رجال الدين.

والطريقة التي تتبلور بها الاشياء، تحالف لثلاث كتل تقودها مجموعات من الضباط لمتقاعدين من الحرس الثوري ربما تكسب اكبر عدد من المقاعد بمباركة «المرشد الأعلى» الذي يقال انه غير سعيد بخصوص محاولات احمدي نجاد تشكيل قاعدة شعبية خاصة به.

ومع انتخاب مجلس معاد لاحمدي نجاد، اصبح «المرشد الاعلى» في وضع افضل لتقليم اظافر احمدي نجاد بدون اثارة مواجهة مباشرة.

الا ان الثمن الذي ربما دفعه خامئني هو مزيد من القوة للحرس الثوري وتراجع الملالي. احمدي نجاد الذي يمثل اكثر الأجنحة راديكالية في مؤسسة الحكم، صادق في اعتقاده بإمكانية ابعاد الولايات المتحدة عن الشرق الاوسط، ومنح الثورة الخمينية قوة دفع جديدة نحو هدف «الانتصار العالمي».

ان الاعداء الرئيسيين، ومعظمهم من الرجال الذين حققوا ثروات ضخمة، هم اكثر اهتماما بالحفاظ على النظام اكثر من اهتمامهم بالمخاطرة بوجوده باستراتيجية الثورة الدائمة.

ويتصرف احمدي نجاد كأن ليس لديه ما يخسره.

وربما تضعه الانتخابات وجها لوجه مع رجال لديهم ما يخسرونه بتجنب خسارته.

ان مجلسا جديدا يسيطر عليه الاثرياء في الحرس الثوري لن يحول الذئب الخميني الى حمل. ان الجمهورية الاسلامية ستظل تمثل تهديدا للشعب الايراني وجيرانهم، حتى لو كان ذلك بسبب عدم قدرة مؤسسة الحكم على التخلي عن اوهامها الخطيرة. وفي الوقت نفسه، اقبال ضعيف يمكن ان يضعف وضع احمدي نجاد، لأنه يعني الافتقار الى دعم لاستراتيجيته الراديكالية. والاهم من ذلك، فإن انتصار الكتلة المعادية لأحمدي نجاد في الجسر الثوري والملالي الذين يحظون بدعم الحرس الثوري يمكن ان يمنح قطار الرئيس المنفلت، آلية سيطرة الحاجة اليها عاجلة. وهذا هو السبب وراء ضرورة عدم اعتبار الانتخابات، التي ستعقد الجولة الثانية منها في اواخر الشهر الحالي، غير مهمة.