الطرق الرعناء

TT

نحو ثلاثمئة إصابة على طريق أبو ظبي ـ دبي في حادث سير مترابط. القتلى لا نعرفهم وبالتالي هم مجرد رقم آخر. لكن ثمة من يعرفهم ويبكيهم وسوف يفتقدهم أبدا. على الطريق نفسها فقدنا قبل أشهر سعيد آل نهيان، شابا مفتوحة أمامه سبل الحياة، فإذا رعونة الطريق السريع تودي به. ومنذ أيام في لندن أفقدنا خطر السرعة القاتل رمزي الصفدي. نجل الوزير محمد الصفدي وبكره ووحيده. ولو تأمل الناس لتمهلوا ضنا بالناس وبالنفس. خلال الحرب العالمية الثانية قصف الألمان لندن ومدن بريطانيا الأخرى وظل عدد الضحايا على الطرق الحمقاء أكبر من عدد ضحايا القصف والدمار.

كل زاوية على طرقات الرياض وشوارعها تحمل توعية مرورية وإرشادا مروريا ما. وكل مسافة قصيرة في المدينة فيها سيارة شرطة معلنة وسيارة شرطة متخفية لملاحقة المخالفين. ومع ذلك هناك من يقود السيارات، خصوصا الضخمة، كأنه وحيد في الربع الخالي، ليس من حوله بشر. حاولت فرنسا، أيام ميتيران، أن تعرف لماذا يسرع الفرنسيون، لماذا هذا النزق في القيادة، هل لذلك علاقة بالطبع الفرنسي؟ بالبيئة؟ لم تعثر على جواب. وظل خمسة آلاف يموتون على الطرق الحمقاء كل عام.

قرأت قبل أعوام في «الهيرالد تريبيون» أنه عندما يكون السير سيئا في لاغوس (عاصمة نيجيريا) يكون الأمان مضمونا. الازدحام هو الكابح الوحيد للقيادة الهوجاء.

ثمة مدينة واحدة أكثر هولا من لاغوس هي بيروت. إنها «رالي» مفتوح وبلا أي قيود أو أهداف. ويقود كل لبناني (أو كل لبناني من اثنين) «حرتوقته» وكأنه يقود فيراري في سباق مونت كارلو. ولكن الفارق أن ثمة ممنوعات كثيرة على الفيراري فيما لا ضوابط على «الحراتيق»، لا على الطرق ولا على الأرصفة ولا في اقتحام مداخل البيوت. ومهما بدت «الشطارة» اللبنانية مضحكة فإن الحصيلة الحمقاء مأساوية دائما.

تقدم عرب (وآخرون) كثيرون لطلب الجنسية البريطانية، 99.99 بالمئة منهم، نالوا الجنسية بسهولة. وقد حجبت في حالتين: وجود تهديد أمني واضح، أو عن الذين لهم سجل فاضح في مخالفة قانون السير. فالذي لا يحترم قانون السير، أبسط القوانين، لا يمكنه أن يحترم أي قانون آخر.