.. عن العرضة

TT

الشيخ عبد المحسن العبيكان رجل دين شجاع، أخذ وتبنى الكثير من المواقف التي كانت تقف بقوة ضد الآراء السائدة، وبالتالي أشبه بمن يسبح ضد التيار الجارف. وفي كثير من المواقف كان يتبنى رأيا جريئا ومنطقيا مبنيا على حجة مقنعة، حتى لو جند ضده أرتال من المعارضين والمنظمة، مجهوداتهم بطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غير بريئة.

وهذه الأيام تتناقل بعض المواقع الالكترونية، مقطعا مصورا للشيخ العبيكان، وهو يشارك شخصيا في أداء رقصة العرضة السعودية، وذلك في مناسبة حفل زفاف لأحد أقربائه. وانهالت تعليقات الاعتراض في المنتديات معترضة على عرضة الشيخ، بعبارات مليئة بالإساءة في حق هذا العالم. وقد علق الشيخ بعد فترة من الصمت على هذه القصة وتبعاتها بتأكيد المشاركة واعتزازه بذلك، وأن الرقص سنة محببة في الأفراح، والمطلوب إظهار البهجة والسرور في تلك المناسبات، بدلا من تحويلها لمناسبة جادة وحزينة، خالية من الجدية والحدة والهم. وهذا الجدل البيزنطي هو فصل جديد من العلوم التي لا تنفع، والتي استعاذ منها الرسول عليه الصلاة والسلام. فالسيرة والسنة النبوية واضحة في إجازة ما قام بعمله الشيخ العبيكان، إلا أن المزايدة والمبالغة والتنطع الذي ابتلي به العالم الاسلامي، محولين باب سد الذرائع من مقصد شرعي محدود، الى باب تم سده تماما وبالشمع الأحمر أيضا. وكأن كلما اكترب المرء وتجهم، وزالت البسمة، واختفت أي ملامح للفرحة والسرور، ترقى في إيمانه.

ما يحدث من اعتراض غريب على الشيخ العبيكان، وغيره من عقلاء المشايخ، يبين تماما أنه وكما توجد في القواعد الفقهية ظاهرة ومصطلح «جمهور العلماء» فإنه ولا ريب يوجد أيضا ظاهرة «جمهور الجهلاء» وهي ديناميكية تحرك بأزرار خفية فتهيج صوب مسألة أو شخصية عامة منهكة إياه ذات اليمين وذات الشمال. وهي ظاهرة وصفها بدقة جميلة الكاتب الكبير جلال أمين، واختار لها عنوانا لأحد كتبه المعروفة «ظاهرة الجماهير الغفيرة». وهذه المجاميع المسيرة , والمنقادة للغير يباع لها اي سلعة، وتستسيغ أي بضاعة تقدم لها حتى ولو كانت مخالفة تماما لما تروج وتنادي له هذه الجماعة. والقضية ليست إجازة الرقص أو تحريمه، إنها قضية الاصرار على تحجيم الدين نفسه وإسقاطه في قالب واحد لا غيره، وهذا بطبيعة الحال مرفوض. الحملة التي يواجهها الشيخ العبيكان , ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكلما مال الشيخ العبيكان للوسطية والتسامح، زاد التشنج والتوتر والتشكيك في حقه. الموضوع هنا ليس حوارا أو مناقشة بالحجة والدليل، فهذا جميعه موجود، ولكن مواجهة حاسمة ومطلوبة لحماية الدين من بعض المنتسبين إليه. الدين يغلب كل من حاول أن يتشدد فيه أو يوغل فيه، هذا حق ووعد مقطوع بلا شك.

تحية للشيخ العبيكان على موقفه الشجاع، وليسمح لي شخصيا أن اشاركه العرضة القادمة في مناسبات الأفراح، والتي آن الأوان أن يجهر بها في البلاد.

[email protected]