أين هو الأمن القومي في قصة الأمير هاري؟

TT

أوفدتني صحيفة «واشنطن بوست» قبل عشرين عاما إلى أميركا الجنوبية كمراسل خارجي، إلا أن أول شيء فعلته هو أنني هربت من هناك، واشتريت نسخة من رواية ايلفين ووه Scoop.

نشرت الرواية لأول مرة عام 1938 وتناولت الحظ العاثر لويليام بوت، وهو كاتب عمود صحافي كان يعتمد في عيشه على الكتابة بصورة سيئة عن الريف الإنجليزي.

من الأجزاء المثيرة للاهتمام في الكتاب، تصويره لغرور ولا أخلاقية الصحافة البريطانية، وأطلق الكاتب أسماء على صحف في كتابه تنم عن نزعات عدوانية مثل «الديلي بروت» و«الديلي بيست» وقال ان هذه الصحف يمكن ان تفعل أي شيء في سبيل تحقيق سبق صحافي، وأن كل من يقف في طريق المراسل سيكون ضحية، وإن كان بصورة غير مقصودة.

ولكن خلال زيارتي إلى لندن في عقد التسعينات لاحظت ان الصحافة أصبحت مهنة أكثر احتراما. لا تزال المنافسة شديدة بين الصحف ولا تزال تسعى جميعا إلى أن تكون الأولى في تغطية أي حدث. ليس هناك من هو أكثر يأسا وكآبة من مراسل صحافي في قصر بكنغهام يفاجأ بخبر عن الأسرة الملكية البريطانية منشورا على الصفحة الأولى لواحدة من الصحف الشعبية المنافسة.

صدمت الأسبوع الماضي لدى ظهور السر الذي أبقى عليه رؤساء تحرير صحف بريطانية طي الكتمان لمدة 10 أسابيع حسب اتفاق جرى بينهم، وهو خبر عمل الأمير هاري في الخطوط الأمامية ضمن القوات البريطانية في أفغانستان.

هناك بالطبع سبب مقبول في عدم الإعلان رسميا عن مشاركة الأمير هاري ضمن القوات البريطانية العاملة في أفغانستان. فهو الابن الأصغر للأمير تشارلز ومطلقته الراحلة الأميرة ديانا، وهو أيضا الثالث في ترتيب تولي العرش بعد والده وشقيقه الأمير ويليام. استمرار وجود الأمير هاري ضمن هذا القوات، يعني ان يصبح هدفا أساسيا من جانب الأعداء، وبالتالي وضع الوحدة العسكرية بكاملها في مخاطر كبيرة من جراء هذا الاستهداف.

عادة ما تبقي وسائل الإعلام على سرية خبر ما طي الكتمان، عندما يكون الأمر متعلقا بالأمن القومي. إلا أن ثمة اختلافا في السر الخاص بوجود الأمير هاري ضمن صفوف القوات البريطانية في أفغانستان. فوسائل الإعلام دائما ما تقرر بمفردها عدم بث أو نشر خبر ما، ولا تلتقي لتقرر بصورة جماعية عدم نشر أو بث خبر ما. قرار عدم نشر خبر الأمير هاري اتخذ على هذا النحو، ولكن لا أرى أين تكمن خدمة المصلحة العامة من خلال اتفاق رؤساء تحرير مع بعضهم بعضا، ليقرروا ما لا يحتاج الناس لمعرفته.

ثمة جانب آخر: أين هو الأمن القومي في قصة الأمير هاري؟

إنه بالتأكيد أمر يتعلق بالأمن الشخصي. إلا ان المجهود الحربي لم يصب بالشلل إذا حل ضابط آخر يحمل رتبة الملازم محل الأمير هاري في محافظة هلمند الأفغانية.

هذا ما كان سيحدث على وجه التحديد في حال اتباع وسائل الإعلام البريطانية معاييرها المألوفة. فقد اعتبرت إفراط الأمير هاري في الشرب في ناد ليلي أو عندما انفصل عن عشيقته خبرا. وبنفس هذا المعيار من المؤكد ان انضمام الأمير هاري إلى القوات البريطانية العاملة في أفغانستان يعتبر خبرا. وإذا نشر هذا الخبر قبل توجه الأمير هاري إلى أفغانستان لربما ألغي قرار إرساله إلى هناك.

يمكن ان أفهم رغبة الأمير هاري في احترام قرار عدم نشر خبر وجوده في أفغانستان، على مدى أسابيع، ولكن ما لا أفهمه هو السبب وراء تجاهل رؤساء التحرير جانب تحديد ما هو خبر والتصرف تبعا لذلك.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)