آخر حماقات الأدميرال وليام فالون

TT

من أول الأشياء التي يلاحظها زملاء الأدميرال وليام فالون عليه هو أنه ضابط بحري. ويقصدون بذلك انه يتميز بالعناد والثقة الذاتية، التي يصفها البعض بالغرور، وهو جزء من متطلبات القيادة في البحر. فهو يعرف كيف يرتدي زيه العسكري الأبيض ويتلقى التحية ـ ويحب توبيخ الناس عندما يعتقد أنهم على خطأ. ومثل هذه الصفات القوية هي جزء من أسباب اختيار فالون لإدارة القيادة الوسطى، الذي يعتبر أهم منصب عسكري في القوات المسلحة اليوم. وهي تشرح أيضا أسباب انهيار فالون، مقدما استقالته يوم الثلاثاء بعد تعليقات صريحة الى كاتب في مجلة «اسكواير» الأميركية وضعته في نزاعات مع البيت الأبيض والقيادات العسكرية.

وركزت معظم الموضوعات المنشورة حول استقالة فالون على «قعقعة سيوف» الإدارة بخصوص إيران. فقد ذكر في حديث مع قناة «الجزيرة» في الخريف الماضي عندما كانت حمى الحرب عالية «أتوقع عدم وقوع حرب، وهذا ما يجب أن نعمل من اجله». ولكن هناك هوة اقل بين فالون والإدارة حول إيران مما تشير اليه التعليقات. فكبار المسؤولين في الإدارة أوضحوا منذ شهور أنهم يعرفون بعدم وجود بديل عسكري جيد ضد إيران.

أما مشاكل فالون فهي اقل درامية ـ ولكنها تصل الى جوهر ما يجب أن تريده أميركا من كبار قادتها العسكريين. فبعد ما اعتبره العديد الأسلوب المختلف للرئيسين السابقين لقيادة الأركان المشتركة جنرال القوات الجوية ريتشارد مايرز، وجنرال المارينز بيتر بيس، قرر البيت الأبيض اختيار شيء مختلف في قائد عسكري كبير ـ رجل قوي. لقد سافرت مع فالون عدة مرات منذ أن أصبح قائدا للقيادة الوسطى وتحدثت معه طويلا، ولذا ربما يمكنني إلقاء نظرة على تقاعده المبكر. أول احتكاكات فالون كانت مع الجنرال ديفيد بترايوس، الذي وثق فيه الرئيس بوش لتطبيق عملية زيادة القوات الأميركية في العراق. والغريب أن بترايوس أيد تعيين فالون في المنصب. ولكن قائد القيادة الوسطى الجديد غضب من علاقة مرؤوسه القوية بالبيت الأبيض. وكان التوتر واضحا في شهر مايو عندما سافرت لبغداد مع فالون. فقد دعاني الي كل اجتماعاته مع المسؤولين العراقيين، بالرغم من اعتراض السياسيين في المنطقة الخضراء. وأكدت المناقشات ذات الطبيعة الاحتكاكية قلق فالون من أن التفاخر بزيادة القوات، بالرغم من انه أدى الى تحسين الوضع الأمني العراقي، لم يؤد الى إتاحة الفرصة للمصالحة السياسية. وبحلول فصل الخريف الماضي، كان من الواضح لفالون أن الموضوع الرئيسي هو معدل الانسحاب الأميركي. إذا كانت استراتيجية الانسحاب هي «مشروطة» وكانت الزيادة تسير على ما يرام، فقد طرح فالون: لماذا نضغط على هذه الميزة ونعمل من اجل جدول زمني أسرع.

وقد استمرت رغبة فالون في إثارة جدل عام، حتى لو أدى ذلك الى مواقف صعبة، عندما سافرت معه لمدة أسبوع في شهر يناير. فقد توقف أولا في راولبندي في 22 يناير للاجتماع برئيس الأركان الباكستاني الجديد الجنرال اشفاق كياني، الشخصية الهامة في الاحتفاظ بالاستقرار في البلاد بعد انتهاء حقبة برويز مشرف. وحاول فالون ترتيب حضوري للاجتماع، وعندما أصبح ذلك مستحيلا، قدم لي تفصيلات للاجتماع، ظهرت في الصحيفة في 24 يناير.

وشعر كبار المسؤولين في البنتاغون والبيت الأبيض بالحيرة من تعليقات كياني، إلا أن فالون لم يعترض. فقد أظهر حديثه أن القائد الباكستاني الجديد يعمل من أجل إعادة تشكيل حرفية الجيش ووقف القاعدة في المناطق القبلية، واعتقد أن على الرأي العام معرفة ذلك.

وآخر حماقات فالون هي الحديث خلال وجودنا في العراق بخصوص ما إذا كان يجب وقف عمليات الانسحاب هذا الصيف، كما أراد بترايوس وبوش. وكان يفضل التوقف، ولكن ليس لفترة طويلة بحيث تحجب الرسالة للعراقيين والأميركيين أن القوات العسكرية الأميركية في طريقها للانسحاب ـ بطريقة بطيئة ومنتظمة ولكن مؤكدة. وأفهم رغبة البيت الأبيض من أجل تسلسل قيادي منظم وحاجة الضباط الى الثقة ببعضهم البعض. ولكن في حالة فالون، أرى وضعا جيدا في شخص قوي الشخصية يقول الحقيقة للسلطة.

*خدمة مجموعة كتاب

«واشنطن بوست» ـ

خاص بـ «الشرق الأوسط»