كوسوفو وبغداد

TT

يعني استقلال كوسوفو أشياء كثيرة ومختلفة لأناس كثيرين ومختلفين، أولهم الصرب والألبان. ولكن بالنسبة إلي، كقارئ سياسي أو عامل صحفي، لا أستطيع أن أنزع من رأسي فكرة المقارنة بين ديكتاتورين مزقا، بعنادهما، وافتقارهما إلى الشعور بالرحمة، بلديهما وخسرا كل شيء، بدءا أو انتهاء، بالنفس.

صدام حسين وسلوبودان ميلوشيفتش. ولنبدأ من النهاية: لقد مات كلاهما في الاعتقال. الأول في محاكمة على الطريقة العراقية، أسوأ أو أفضل، من المحاكمات التي أحال عليها موت الآخرين وسجونهم وعذاباتهم. والثاني مات ذليلا في محكمة دولية، وليس من حوله أحد. الأول أدى سقوطه إلى سقوط وحدة العراق، والثاني أدى بروزه إلى سقوط وحدة يوغوسلافيا.

خسر الأول جميع الحروب التي شنها على الآخرين وخسر الثاني جميع الحروب التي شنها في كل الاتجاهات. ومن بعده خسر الصرب حرب الحروب: كوسوفو. كلاهما ترك بلدا ممزقا وشعبا ممزقا. مستقبل صربيا الآن يشبه مستقبل بغداد، في حين تحولت جميع الأقاليم اليوغوسلافية الأخرى إلى دول مزدهرة.

في ذكرى وفاة الماريشال تيتو قبل أسابيع قام الألوف بزيارة قبره. كل عام يزداد العدد عن عام. بدل أن تنسى الناس مع مرور الزمن موحد يوغوسلافيا يزداد حنينها إليه.

دخل سلوبودان بعد وفاة تيتو كما يدخل دب جائع إلى مخزن للخزف. حل الحقد محل التاريخ والرؤية. حل التجهم مكان الانفراج. وحل رجل لا يصغي إلى أحد مكان رجل كان يصغي إلى إيقاع التاريخ ويحاول قراءة متغيراته كل يوم.

لم يصغ صدام وسلوبودان إلى احد. يروي وزير خارجية المغرب السابق الأستاذ محمد بن عيسى أنه كان يلتقي نده العراقي طارق عزيز في الزيارات والمؤتمرات. وكان يفهم من إيحاءاته أن صدام حسين لا يصغي إلى أحد، خصوصا في المغامرات الكبرى. فلنتخيل الآن ماذا هو العراق لو لم يشن صدام حروبه وماذا هي يوغوسلافيا لو أن الدب الصربي لم يدخل مخزن الخزف. جميع الدول التي انفصلت عن صربيا هي اليوم على درب المستقبل الأوروبي. إلا بلغراد. لا تزال في الفقر والمافيا والتخلف والتفكك. مسكينة الدول التي يرفض حاكمها قراءة الكتب.