يوتوبيا الخبر

TT

إن تقرأ أو لا تقرأ، إن ترى أو لا ترى، إن تفكر أو لا تفكر، تلك هي الأسئلة التي تطرح نفسها في صباح كل يوم. وفي النهاية ينتصر المثل الشعبي القائل بأن الزمار يموت واصابعه تلعب. وهكذا أنا اتمنى أن اتحاشى الاحساس بالغم والهم مما يجري في العالم من حروب ودمار واستئساد الاقوياء علي الضعفاء وحث المقاومين للظلم على الاستسلام. أتمنى أن يتغير العالم فجأة ويتحول الى يوتوبيا، ولكن هيهات. العالم لا يتغير وأخبار الصحف لا تتغير والصور التي تقتحم وعيي على الشاشة الصغيرة لا تتغير، وأنا مازلت أقرأ وأرى وأفكر فيعتريني هم كبير.

ورغما عن ذلك تفعل جينات التفاؤل فعلها، فأجدني أفتش عن خبر ولو صغير لكي يجدد إحساسي بأن الزعيم سعد زغلول لم يصب حين قال: مفيش فايدة.

لفت انتباهي خبر صغير عن دراسة أجريت في جامعة ستانفورد الأمريكية، تقول الدراسة ان الرجل الذي لا يهزمه التقدم بالعمر ولا الإحساس بالزمن فيحتفظ بالقدرة على اجتذاب النساء، يتزوج وينجب حتى لو تجاوز الستين والسبعين والثمانين. هذا الرجل يقدم للجنس البشري خدمة على طبق من ذهب، فهو من حاملي جينات العمر الطويل، وحين ينجب تنتقل الجينات منه الى اولاده من الذكور والإناث، ومنهم الى أولادهم وهكذا دواليك.

من هذا المنطلق يكون الشكر واجبا لرجال مثل مايكل دوجلاس، نجم هوليوود الذي تزوج وأنجب بدل الطفل الواحد اربعة بعد أن تجاوز الستين. وفي التاريخ الحديث يذكر الرسام الاسباني بابلو بيكاسو، الذي ذاعت قصص غرامه بالنساء واستمر في انجاب الاطفال الى ما بعد التسعين.

وحتى لا تبدو المرأة مظلومة في هذا السياق يقول الباحثون ان انجاب الرجل في السن المتقدم يفيد النساء ايضا، لأن جينات العمر الطويل تحملها كروموسومات الاكس والواي لا الى الابناء الذكور فقط، ولكن للإناث نصيب منها ايضا، ومنهن الى اولادهن الاناث والذكور في ما بعد. والدليل على ذلك أن الأسرة التي تتعايش فيها ثلاثة أجيال من النساء هي أسرة تحمل جينات العمر الطويل، لأن الجدة نقلت الى ابنتها إمكانية طول العمر، والابنة بدورها نقلتها الى ابنتها ايضا، وبذلك تكون الطبيعة قد حققت العدل بلا زيادة ولا نقصان.

بعد قراءة الخبر سرني ان والدي رحمه الله انجبني بعد ان تجاوز الخمسين. ولكن ما أن وصل تفكيري الى تلك النقطة حتى تذكرت أن والدتي لم تتمتع بالعمر الطويل فداخلني شيء من الخوف، ثم ربحت طبيعتي المتفائلة تلك الجولة حين قلت لنفسي ان قوانين الوراثة ربما فعلت فعلها فأورثتني جينة العمر الطويل من أبي الذي تمتع بالحياة الى ما بعد الثمانين. فالقضية إذن هي قضية النظر الى الكوب نصف الممتلئ. فهل هو في نظرك نصف ممتلئ او نصف فارغ؟ تلك هي المعضلة.

ربما تحول العالم يوما ما الى يوتوبيا ينتهي فيها ظلم الأقوياء للضعفاء. فالذي خلق الداء خلق له الدواء وربما يكون الدواء في جينات لم تكتشف بعد يتمتع حاملها بصفات القائد القوي النزيه الذي يورث ابناءه القدرة على تأديب الغزاة والمستأسدين.

وإلى خبر آخر قد يمنح قارئ هذه السطور ابتسامة ولو صغيرة في خضم الأخبار التي لا تسر عدوا ولا حبيبا.