كانت عربة الرش معجزة!

TT

المكتشف الإنجليزي «كوك» عندما نزل إلى جزر هاواي انبهر منه سكان الجزر.. فقد رأوه طويلاً أبيض الوجه أزرق العينين أصفر الشعر. ولكن الذي جعلهم يركعون ويسجدون ويبكون عند قدميه أنه كان يرتدي البنطلون. وليس البنطلون هو الذي هزهم ولخبط عقولهم.. وإنما جيوب البنطلون.. فقد كانوا يظنون أن كوك عندما كان يضع يديه في جيوبه قد وضعهما في بطنه.. فإذا أخرجهما يندهشون.. كيف استطاع أن يخفي يديه في بطنه ثم يعيدهما دون أن تنزف الدماء أو يموت.. وأمام هذه المعجزة العلمية استسلم سكان الجزيرة الجميلة!

ودخل الاستعمار البريطاني من بنطلون جيمس كوك!

والبنطلون الذي يراه الطفل الآن شيئاً عادياً.. وأحياناً لا يعجبه، كان يراه سكان جزر هاواي إحدى المعجزات!

والطفل الآن يرى أن السينما أو التلفزيون شيء مألوف.. بل انه يرى أن التلفزيون الموجود في البيت أبسط وأكثر سذاجة من التلفزيون الموجود في سفن الفضاء.. في حين كان الناس ينظرون إلى «خيال الظل» أو الأراجوز على إنه إحدى المعجزات.. وأحد الشعراء العرب يسجل هذا المعنى منذ سبعة قرون فيقول في شعر ركيك:

رأيت خيال الظل أعظم عبرة

لمن كان في علم الحقيقة باق

شخوصاً وأصواتاً يخالف بعضها

سواه، وأشكالا بغير وفاق

تجيء وتخفي لعبة بعد لعبة

وتفنى جميعاً والمحرك باق!

والعالم المصري رفاعة الطهطاوي عندما ذهب إلى باريس رأى منظراً هز كيانه، فصلى لله ركعتين، وطلب منه أن يهدي مصر إلى مثل هذا الاختراع الجميل العظيم ـ الاختراع الذي رآه عظيماً لم يكن سوى عربة الرش! فقد كان الناس في مصر يرشون الشوارع والميادين بالجرادل وكانت عملية مرهقة.. أما عربية الرش فقد كانت شيئاً رائعاً!

وسوف يجيء اليوم الذي ينظر فيه الناس إلى سفن الفضاء على أنها لعب أطفال.. تماما كما ننظر الآن إلى السيف والرمح، ولكن سيظل هناك شيء صعب يحلم الإنسان باختراعه ولن يقوى على اختراعه.. وإذا اخترعه فإنه سوف يخترع شيئاً آخر يدمره.. ذلك الشيء هو حب الإنسان للحياة. إن الإنسان قد كره حياته وحياة غيره.. لقد كره نفسه على هذه الأرض.. وليست رحلات الفضاء إلا محاولات للهجرة من الأرض!