ما يطلبه المتشددون

TT

هناك من ينأون بأنفسهم عن الفرح، ويستنكرون على الآخرين حتى مظاهره البريئة، مع أن الإسلام دين فطرة، دين يتوافق مع خصائص النفس الإنسانية وحاجتها إلى الفرح، والترويح عن النفس، والتعبير عن النعمة، فالوجوه الهاشة الباشة تعكس طمأنينة النفس الموكلة أمرها إلى الله، وأصحابها هم الأقدر على التواصل الإيجابي مع الآخرين، والتأثير فيهم..

والشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار القضائي بوزارة العدل وعضو مجلس الشورى السعودي، عالم يعيش الحياة بوعي واستنارة وانفتاح، يعي جوهر الدين ويعمل به بعيدا عن التشدد والتزمت والانغلاق.. وقد وجد هذا الشيخ المستنير نفسه قبل أيام محط غضب جماعات متشددة استنكروا صورا له وهو يرقص بالسيف في زواج ابن أخيه، وكأن المطلوب منه ألا يفرح، وألا يعبر عن مظاهر فرحه برقص رجولي بريء في مناسبة حميمة كتلك، فصورة العالم في أذهانهم صورة ارتبطت بالتجهم والتكلف وكبت الفرح، مع أن العالم كغيره من الناس يحتاج إلى أن يعيش حياة طبيعية، يفرح خلالها كما يفرح الناس، ويعبر عن نفسه كما يعبر الآخرون، طالما أن ما يقوم به في حدود المباح. ولو أدرك هؤلاء المتشددون مدى جدوى اقتراب العالم من الناس، ولو علموا مكانة الشيخ العبيكان في النفوس لفعلوا نفس ما يفعله، ولاستفادوا من حكمته ورؤاه..

وقد أحسن الشيخ صنعا في استثمار الموقف بتوضيح الكثير من الحقائق المتصلة بالفرح، التي يوشك أن يخنقها التشدد، ليشير إلى أن إظهار الفرح في المناسبات من الأمور المطلوبة شرعا والمستحبة، رافضا القول بتحريم الطبول، ومستشهدا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف».

وموقف العبيكان يذكرني بالدعوة المتكررة لإمام الحرم المكي الشريف الشيخ صالح بن حميد في خطب العيد، وهو يوضح أن إظهار الفرح والسرور في الأعياد من شعائر الدين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الفرح والسرور في الأعياد في شرعه وفعله، وأذن للمسلمين بأن يفرحوا، وأقر الفرحين على فرحهم، موصيا بعدم التضييق على الناس في مشاعرهم، أو استنكار إظهار الفرح أو الابتهاج في العيد..

فما أحوجنا حقا إلى تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي ارتبطت في أذهان البعض عن التعبير عن الفرح، فالإنسان لا يستطيع أن يلغي فطرته ليعيش وفقا لما يطلبه المتشددون.

[email protected]