أنابوليس.. الأمل المتلاشي

TT

كان مؤتمر انابوليس للسلام في شهر نوفمبر الماضي، لحظة جيدة لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، فقد كان يبدو أنها أصبحت جادة، أخيرا، بخصوص استخدام الدبلوماسية الأميركية من أجل التوصل إلى اتفاقية إسرائيلية فلسطينية أطرها الرئيسية مفهومة للجميع ـ ولكنها تتطلب متابعة أميركية لتطبيقها.

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت هذه المتابعة الأميركية مفقودة. ونتيجة لذلك، فإن عملية انابوليس ضعفت إلى درجة أن بعض الإسرائيليين والفلسطينيين حذروا، في الأسبوعين الماضيين، من أنها قاربت على الانهيار. فقد ذكر منتقدو رايس أن الفشل في المتابعة كان اكبر نقاط ضعفها في السنوات التي قضتها في واشنطن. ولم يعد لديها ما يكفي من الوقت لإثبات خطأ منتقديها.

وتعرف رايس أن تنشيط عملية سلام انابوليس يتطلب تحقيق التقدم في مواضيع «خارطة الطريق» المتعلقة بالأمن. ويحتاج الفلسطينيون والإسرائيليون إلى رؤية تغييرات ـ تعرض قناة «الجزيرة» لقطات لقوات الجيش الإسرائيلي، وهي تفكك المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، ويعرض التلفزيون الإسرائيلي تقريرا عن قيام قوات الأمن الفلسطينية بتفكيك أجزاء من البنية الأساسية للإرهاب. إلا أن ذلك لم يحدث.

ومن المشاكل الكبرى هي تلكؤ الجيش الإسرائيلي. فوزير الدفاع ايهود باراك لا يثق في عملية السلام التي أقرها منــافسه السيــاسي رئيس الوزراء ايهود اولمرت، وهو ما يبدو واضحا. وفيما يتعلق بالبؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية التي تقدرها إسرائيل بـ 24 بؤرة والجانب الفلسطيني بـ80، لم تفكك القوات الإسرائيلية بؤرة واحدة، طبقا لمسؤول كبير في الإدارة الأميركية. وفي الوقت الذي تشعر فيه القوات الإسرائيلية بالقلق بخصوص الهجمات الإرهابية، فإنها لم تبذل جهدا واضحا لتخفيف حدة نقاط التفتيش في الضفة الغربية التي تحولت إلى صداع يومي وإهانة للفلسطينيين.

وأوضح المسؤول الكبير «ما ذكروا (الجيش الإسرائيلي) أنهم سيدرسونه لم يتم. والقوات الإسرائيلية تعمل بنفس الطريقة (في نقاط التفتيش) لسبع سنوات، ولم يهتموا بالتغيير». وطبقا للمسؤول فإن القوات الإسرائيلية منعت أيضا بعض العمليات الأمنية الفلسطينية ـ حيث فضلوا قيام القوات الإسرائيلية بشن غارة على تاجر عملات في نابلس في الشهر الماضي، بدلا من ترك الفلسطينيين يقومون بهذا العمل.

وفي غياب إجراءات بناء الثقة، حقق المتطرفون تقدما. فقد استمرت صواريخ حمــاس بالتســاقط على إسرائيل، واستمر الإسرائيلـيـون فــي الانتقام. ثم جاء الحادث الإرهابي الفظيع في القدس الذي أدى إلى مقتل 7 من طلاب مدرسة دينية.

وما هو محزن أن رايس كانت تعرف على وجه الدقة ما هو ضروري من أجل أن تمضي العملية في طريقها. فقد دعا مؤتمر أنابوليس إلى لجنة ثلاثية يجلس فيها ممثل عن الولايات المتحدة مع كلا الطرفين لمراقبة التقدم في التحسن الأمني وظروف المعيشة. بل إن الإسرائيليين وافقوا على أن يقرر ممثل الولايات المتحدة ما إذا كانت قد جرت تلبية شروط «خارطة الطريق». وسمى الرئيس بوش جنرال سلاح الجو ويليام فريزر لتولي منصب الوسيط هذا في يناير الماضي. ولكن حتى الآن لم تعقد لجنته اجتماعا ثلاثيا واحدا. كما عينت رايس ممثلا شخصيا متميزا هو جنرال المارينز المتقاعد جيمس جونز في نوفمبر الماضي لدراسة إطار الأمن المتبادل في دولة فلسطينية مستقبلية. وقام جونز بجولة تقصي حقائق واحدة حتى الآن، ويعتقد مسؤولون في وزارة الخارجية أن مهمته لم تحقق كثيرا من التقدم.

وخلف هذا المأزق، تقف يد حماس الشريرة. وكانت رايس هي التي أصرت على أن يسمح لهذه الجماعة الإسلامية المتطرفة في المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في يناير 2006، مقابل احتجاجات شديدة من الإسرائيليين والفلسطينيين المعتدلين. وجادلت رايس بأن التطرف الإسلامي الذي تمثله حماس، ينبغي أن يحصل على صوت سياسي. ولكن عندما فازت حماس، وواصلت، كما هو متوقع، رفضها لحق إسرائيل في الوجود، لم تكن لدى الولايات المتحدة استراتيجية متابعة متماسكة. إن ما تمس الحاجة إليه هو نوع من وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. ولكن واشنطن وتل أبيب تصران على أنهما لن تتفاوضا مع منظمة إرهابية. وفي غضون ذلك تسعيان بهدوء إلى جهد مصري للتوسط من أجل التوصل إلى مثل هذه الصفقة لوقف إطلاق النار.

ومن المؤسف أن تلك استراتيجية عاجزة، أن تدع الآخرين يقومون سرا بما ترفضه أنت القيام به علنا.

وتواصل رايس إصرارها على أنها جادة بشأن إنجاز تقدم إسرائيلي فلسطيني، قبل أن يغادر الرئيس بوش منصبه. ولكن التقدم بحاجة إلى متابعة منضبطة. وبدون ذلك يمكنك أن تضيف أنابوليس إلى المزبلة.

* خدمة مجموعة كتاب

«واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»