عيد ميلاد (السيدة الأولى)

TT

لست من الذين يؤمنون ويحبذون الاحتفال بـ(أعياد الميلاد)، لأنني اعتبرها مهزلة أو مضحكة، خصوصاً ممن تجاوزوا منتصف العمر. فمن الممكن مثلاً أن اقبل وأشارك في الاحتفال بعيد ميلاد طفلة دخلت السنة الثانية من عمرها، ولكن أن اقبل وأشارك بعيد ميلاد لسيدة دخلت العقد السادس من عمرها، فتلك هي المصيبة التي تورطت فيها عن سابق عمد وإصرار.. حيث أن بعل تلك الست، رجل لا يمكن أن أرد له طلباً، وأتمنى أن يبادلني هو نفس الشعور يوماً ولا يرد لي طلباً.

ذلك البعل أو الزوج أو السيد، له أفضال كبيرة عليّ، و(لحم أكتافي) مثلما يقول الراسخون في علم النفاق، أقول إن ذلك اللحم أو (العصب) جزء منه هو من خيراته أو من (كمسيوناته)، لهذا عندما وجه لي الدعوة هاتفياً لبيتها رأساً وعلى طول تحريرياً وفعلياً، وكنت أول الحاضرين، وأول المغنين (هابي بيرثدي)، وأول المصفقين، وأول الضاحكين، وأول المهنئين، وأول الآكلين من الكعكة ـ وبعضهم ينطقها هكذا: (الكحكة)، ولا أدري ما هو الصواب؟! ـ المهم انني أكلت ولغمطت أو لغوصت وجهي بالشوكولاته لأبدو (كالبلياتشو) من اجل أن اظفر ولو بابتسامة صغيرة من صاحبة العصمة (السيدة الأولى) التي نحتفل بعيد ميلادها، وفي تلك الليلة الحاشدة رقصت فرحاً، بل إنني زيادة مني في إظهار بهجتي وحبوري المزيف، لبست طرطوراً ونفخت (زميرة)، وألقيت بعض النكات التي لم يضحك منها أحد غيري. ولكي أضعكم معي في ذلك (الجو) المفعم، لابد وأن تعرفوا أن السيدة الأولى، لم تهل علينا طلعتها البهية إلاّ عندما أعلنت الساعة الثانية عشرة مساءً، وكانت (ربي يحرسها) ترتدي (فسطاناً) لونه أحمر صارخ يكاد أن يجهر الأبصار، وله ذيل طويل يسحب من ورائها على الرخام المصقول، وتمسك بيدها اليمنى وردة بيضاء دلالة على البراءة، وكانت يدها اليسرى حرة طليقة إلاّ من خاتم من السولتير الذي هو من جماله وحلاوته (يمغص البطن)، والذي لا أشك أبداً أن قيمته الشرائية من الممكن أن تعتاش على ثمنها قبيلة صغيرة في أفريقيا لمدة ثلاث سنوات كاملة. ما علينا من أفريقيا البائسة، ولا من قبائلها الجائعة، فلسنا مكلفين بعباد الله، فهؤلاء لهم رب يحميهم ويقدر أرزاقهم، علينا فقط بما نحن فيه من (بغدده) في تلك الليلة الميلادية الصاخبة والحنونة كذلك.

جلست ست الحسن ـ أقصد السيدة الأولى ـ على كرسيها المذهب والمطرز، وأتاها بعلها يريد أن يلثم فاها، وحيث ان (فاها) كان مكتمل الأنوثة (بالروج)، ولا تريد هي أن يعبث به أي عابث، فقد أدارت له صدغها ومكنته فقط من صفحة خدها (المربرب والمتورم) الذي يطفح (بالبودرة) التي (تهبّل)، طبع البعل السيد على خدها قبلة محترمة شنفت الآذان، وبعدها أطفئت الأنوار، ووقفت هي ثم تقدمت نحو طاولة السفرة تمشي (بخطوات موزونة)، وأحضر السفرجية (الطورطة) التي كانت مغطاة، وعندما كشفوها لم أشاهد فيها أية شمعة، ولكنني تفاجأت أن في وسطها (لمبة) مضاءة ببطارية، وبدأ الجميع يغنون، وكنت أنا من أعلاهم صوتاً، ثم نفخت هي ونفخ الجميع معها، وكنت بالطبع أقوى الجميع نفخاً، وإذا باللمبة يا سبحان الله تنطفئ بقدرة قادر ـ طبعاً ليس هناك شيء مستعص على (التكنولوجيا) ـ. سهرنا واستمتعنا، ونلت من ضمن من نالوا جنيها ذهبياً عيار (24 قيراطا)، لازلت احتفظ به في جيبي كذكرى لا أكثر ولا أقل، وقبل أن اخرج مودعاً في الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، أمسكت باللمبة أتفحصها وإذا بي اكتشف أن قوتها (60 شمعة).. ورحت اردد بيني وبين نفسي قائلاً: يالله ما هذا الإبداع؟! عندها ازداد احترامي للسيدة الأولى، وهكذا هن السيدات ولاّ بلاش، هل تصدقون انني بعدها أصبحت أزهد بكل الإناث (الهلفوتات)، وأولهن من تقرأ الآن كلامي هذا!!

[email protected]